«العهد : وله مفهوم واسع أيضاً ، يشمل العهود الإنسانية وكذلك العهود الإلهية.
ويضيف في الوصف الثامن : (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ). لأنّ القيام بالشهادة العادلة وترك كتمانها من أهم بنود إقامة العدل في المجتمع البشري.
وفي الوصف الأخير ، وهو الوصف التاسع من هذه المجموعة ، يعود مرّة اخرى إلى موضوع الصلاة ، كما كان البدء بالصلاة. يقول تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ). والصلاة هي المدرسة العالية للتربية ، وأهم وسيلة لتهذيب النفوس.
ومن الطبيعي أنّ الوصف الأوّل كان إشارة إلى المداومة ، ولكن الخطاب هنا حول حفظ آداب وشروط الصلاة وخصائصها ، والآداب التي تكمن في ظاهر الصلاة والتي تنهى عن الفحشاء والمنكر من جهة ، وتقوي روح الصلاة بحضور القلب من جهة اخرى وتمحو الأخلاق الرذيلة التي تكون كحجر عثرة أمام قبولها ، ولهذا لا يعتبر ذكرها مرّة اخرى من قبيل التكرار.
وفي النهاية تبيّن الآية الأخيرة عاقبة المتصفين بهذه الأوصاف ، كما بيّنت في الآيات السابقة المسير النهائي للمجرمين ، فيقول تعالى : (أُولئِكَ فِى جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ).
لماذا لا يكونوا مكرمين! وهم ضيوف الله ، وقد وفرّ الله القادر الرحمن لهم جميع وسائل الضيافة.
(فَمَا لِالَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ) (٤٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)
الطمع الواهي في الجنة : جاء البحث في الآيات السابقة من هذه السورة حول علامات المؤمنين والكفار ، ومصير كل من المجموعتين ، في الآيات يعود ليوضح أحوال الكفار واستهزاءهم بالمقدسات.
قال البعض : إنّ هذه الآيات نزلت في جماعة من المشركين فعندما كان الرسول صلىاللهعليهوآله يتلو على المسلمين آيات المعاد ، كان هؤلاء الكفار يقدمون من كل صوب وحدب ويقولون : إذا كان هناك معاد فإنّ حالنا في الآخرة أحسن من حال من آمن بك ، كما أنّ حالنا في هذه الدنيا أحسن منهم!