(يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (١٦) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعَى) (١٨)
تضيف هذا الآيات على البحوث السابقة حول القيامة إيضاحات أكثر ، حيث يقول الله تعالى : (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ). (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ).
«المهل : على وزن (قفل) وهو المذاب من المعدن كالنحاس والذهب وغيرهما.
«العهن : مطلق الصوف المصبوغ ألوناً.
في مثل ذلك اليوم تتلاشى السماوات وتذوب ، تتدكدك الجبال ثم تتناثر في الهواء كالصوف في مهب الريح ، وبما أنّ الجبال ذات ألوان مختلفة فإنّها شبهت بالصوف المصبوغ بالألوان ، ثم يتحقق عالم جديد وحياة جديدة للبشرية بعد كل هذا الخراب.
وعندما يحلّ يوم القيامة في ذلك العالم الجديد فسيكون فيه الحساب عسيراً ومرعباً بحيث ينشغل كل بنفسه ، ولا يفكر بالآخر حتى لو كان من خلّص اصدقائه وأحبائه : (وَلَا يَسَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) (١).
ولا يعني ذلك أنّ الأصدقاء والأقرباء ينكر بعضهم بعضاً ، بل إنّهم يعرفونهم ويقول تعالى : (يُبَصَّرُونَهُمْ). غاية الأمر هو أنّ هول الموقف ووحشته لايدعه يفكّر بغيره.
وإكمالاً للحديث وتوضيحاً لذلك الموقف الموحش ، يضيف تعالى : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِى مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ). وليس ببنيه فحسب بل ، يودّ أن يفتدي العذاب بزوجته وأخيه أيضاً (وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ).
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِى تْوِيهِ). أي عشيرته وأقرباءه الذين كان يأوي إليهم في الدنيا : (وَمَن فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ).
«يودّ : من (الود) على وزن (حبّ) أي يحب ويتمنى.
__________________
(١) الحميم : في الأصل يعني الماء المغلي والمحرق ، ثم اطلق كذلك على الأصدقاء المخلصين والحقيقيين.