يوم مقداره خمسين ألف سنة : بعد إيراد قصة العذاب الدنيوي الذي أصاب من طلب العذاب ، تبحث الآيات أمر المعاد والعذاب الاخروي للمجرمين في ذلك اليوم. في البداية يقول تعالى : (تَعْرُجُ الْمَلِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) [أي إلى الله](فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).
المشهور أنّ المراد من عروج الملائكة هو العروج الروحي ، وليس العروج الجسمي ، يعني أنّهم يسرعون في التقرب إلى المقام الإلهي وهم مهيّئون لإستلام الأوامر في ذلك اليوم الذي يراد به يوم القيامة.
والمراد بالروح هو (الروح الأمين) وهو أكبر الملائكة ، وهذا ما اشير إليه أيضاً في سورة القدر ، حيث يقول تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِمْ مِن كُلّ أَمْرٍ).
وأمّا المراد بكون (خمسين ألف سنة) هو ذلك اليوم الذي بحيث لو وقع في الدنيا كان مقداره خمسين ألف سنة من سني الدنيا ، وهذا لا ينافي ما جاء في الآية (٥) من سورة السجدة من أنّ ذلك يوم مقداره ألف سنة ، ولأجل ذلك ذكر في الروايات أنّ في القيامة خمسين موقفاً ، وكل موقف مثل ألف سنة مما تعدون (١).
فقد كان هذا ما يخصّ المجرمين والظلمة والكفار. روى أبوسعيد الخدري قال : قيل يا رسول الله! ما أطول هذا اليوم؟ فقال : والذي نفس محمّد بيده! إنّه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا (٢).
ثم يخاطب الله تعالى رسوله الأكرم صلىاللهعليهوآله في الآية الاخرى ويقول : (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً).
المراد ب (الصبر الجميل) هو ما ليس فيه شائبة الجزع والتأوه والشكوى ، وفي غير هذا الحال لا يكون جميلاً.
ثم يضيف : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَيهُ قَرِيبًا). إنّهم لا يصدقون بوجود مثل ذلك اليوم الذي يحاسب فيه جميع الخلائق حتى أصغر حديث وعمل لهم ، وذلك في يوم مقداره خمسون ألف سنة ، ولكنّهم في الواقع ما عرفوا الله وفي قلوبهم ريب بقدرة الله.
__________________
(١) أمالى الطوسى / ٣٦.
(٢) تفسير مجمع البيان ١٠ / ١٢٠ ؛ تفسير القرطبى ١٣ / ٢٣.