وجاء في الآية اللاحقة : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّاَنفُسِكُمْ).
لقد أمر الله تعالى أوّلاً بإجتناب الذنوب ، ثم بإطاعة الأوامر ، وتعدّ الطاعة في قضية الإنفاق مقدمة لتلك الطاعة ، ثم يخبرهم أنّ خير ذلك يعود إليكم ولأنفسكم.
وللتأكيد على أهمية الإنفاق ختمت الآية ب (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
«شحّ : بمعنى البخل المرادف للحرص ، أنّ هاتين الخصلتين السيّئتين من أكبر الموانع أمام فوز الإنسان ، وتغلق عليه سبيل الإنفاق وتصدّه عن الخير.
وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الفضل بن أبي مرة قال : رأيت أبا عبدالله الصادق عليهالسلام يطوف من أوّل الليل إلى الصباح وهو يقول : اللهمّ قني شحّ نفسي! فقلت : جعلت فداك ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء. قال : وأي شيء أشد من شحّ النفس وأنّ الله يقول : (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وللتشجيع على الإنفاق والتحذير من البخل ، يقول تعالى : (إِن تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ).
فالله الخالق الواهب للنعم الذي له كل شيء ، يستقرض منّا ثم يعدنا بأنّه سيعوّضنا أضعاف ذلك ، إنّه لطف ما بعده لطف.
«القرض : في الأصل بمعنى القطع ، ولأنّها اقترنت بكلمة حسن فإنّها تعني فصل المال عن النفس وإنفاقه في الخير.
وعبارة (يَغْفِرْ لَكُمْ) للإشارة إلى أنّ الإنفاق أحد عوامل غفران الذنوب.
ويقول في آخر الآية : (عَالِمُ الْغَيْبَ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). إنّه مطّلع على أعمال عباده ومنها النفقة والبذل في سبيل الله ، وإنّه غير محتاج لكي يستقرض من عباده وإنّما هو إظهار لكمال لطفه ومحبّته لعباده.
|
نهاية تفسير سورة التّغابن |
* * *