يمضي ويذرهم ويقول : أما والله لئن لم تهاجروا معي ثم يجمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبداً ، فلمّا جمع الله بينه وبينهم أمره الله أن يوفي ويحسن ويصلهم فقال : (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
التّفسير
(أولادكم وأموالكم وسيلة لإمتحانكم :) حذّر القرآن الكريم من مغبّة الوقوع في الحب المفرط للأولاد والأموال ، الذي قد يجرّ إلى عدم الطاعة لله ورسوله حيث قال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِنَّ مِن أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).
إنّ هناك مظاهر عديدة لهذه العداوة ، فأحياناً يتعلقون بثيابكم ليحرموكم خير الهجرة ، واخرى ينتظرون موتكم ليسيطروا على أموالكم وثروتكم ، وما إلى ذلك.
وتظهر هذه العداوة أحياناً بمظهر الصداقة وتقديم الخدمة ، وحيناً آخر تظهر بسوء النية وخبث المقصد.
ومن أجل أن لا يؤدي ذلك إلى الخشونة في معاملة الأهل ، نجد القرآن يوازن ذلك بقوله في ذيل نفس الآية : (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
فإذا ندموا واعتذروا والتحقوا بكم فلا تتعرضوا لهم بعد ذلك ، واعفوا عنهم واصفحوا كما تحبّون أن يعفو الله عنكم.
«العفو : بمعنى صرف النظر عن العقوبة ؛ والصفح : في مرتبة أعلى ، ويراد به ترك أي توبيخ ولوم ؛ والغفران : الذي يعني ستر الذنب وتناسيه.
وتشير الآية اللاحقة إلى أصل كلي آخر حول الأموال والأولاد ، حيث تقول : (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلدُكُمْ فِتْنَةٌ). فإذا تجاوزتم ذلك كله فإنّ : (وَاللهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
وقد تقدم في الآية السابقة الكلام عن عداء بعض الأزواج والأولاد الذين يدعون الإنسان إلى الانحراف وسلوك طريق الشيطان والمعصية والكفر ، وفي هذه الآية نجد الكلام عن أنّ جميع الأموال والأولاد عبارة عن فتنة ، وهذين الأمرين (الأموال والأولاد) من أهمّ وسائل الإمتحان والإبتلاء.
يقول أمير المؤمنين عليهالسلام في نهج البلاغة : لا يقولنّ أحدكم : أللهم إنّي أعوذ بك من الفتنة لأنّه ليس أحد إلّاوهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلّات الفتن فإنّ الله سبحانه يقول : (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلدُكُمْ فِتْنَةٌ).