مودّة الكفار غير الحربيين : يستمر الحديث في هذه الآيات المباركات تكملة للموضوعات التي طرحت في الآيات السابقة حول الحبّ في الله والبغض في الله وقطع العلاقة مع المشركين ، بالرغم من أنّ قطع هذه الرابطة يولّد فراغاً عاطفياً بالنسبة للبعض من المسلمين ، فإنّ المؤمنين الصادقين ، وأصحاب رسول الله المخلصين آمنوا بهذا المنهج وثبتوا عليه ، والله تعالى بشّر هؤلاء ألّا يحزنوا ، لأنّ الثواب هو جزاؤهم بالإضافة إلى أنّ هذه الحالة سوف لن تستمرّ طويلاً ، حيث يقول سبحانه : (عَسَى اللهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِّنْهُم مَّوَدَّةً).
ويتحقق هذا الوعد وتصدق البشارة في السنة الثامنة للهجرة حيث منّ الله على المسلمين بفتح مكة ، ودخل أهلها جماعات جماعات في دين الإسلام الحنيف ، مصداقاً لقوله تعالى : (يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا). وعند ذلك تتبدّد غيوم الظلمة والعداء والعناد من سماء حياتهم ، وتشرق نفوسهم بنور الإيمان وحرارة الودّ وأجواء المحبة والصداقة.
وعلى كل حال ، إذا تباعد بعض الناس عن خط الإسلام والمسلمين وكانت تربطهم علاقات إيجابية مع المسلمين ، ففي مثل هذه الحالة لا ينبغي اليأس ، لأنّ الله تعالى قادر على كل شيء ، ويستطيع تغيير ما في قلوبهم ، فهو الذي يغفر الذنوب والخطايا لعباده ، حيث يضيف تعالى في نهاية الآية : (وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
وتبيّن الآيات اللاحقة شارحة وموضّحة طبيعة علاقة المودة مع المشركين ، حيث يقول سبحانه : (لَّايَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
إنّ المستفاد من الآيات الكريمة حول طبيعة وكيفية العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو (أصل كلي) لا يختص بذلك الوقت فقط ، بل يمثّل خطاً عاماً لطبيعة هذه العلاقة في كل الأزمنة سواء اليوم أو غداً ، في حياتنا المعاصرة والمستقبلية.
وواجب المسلمين وفق هذه الاسس أن يقفوا بكل صلابة أمام أية مجموعة ، أو دولة ، تتّخذ موقفاً عدائياً منهم أو تعين من أراد بالإسلام والمسلمين سوءاً ... وقطع كل صلّة قائمة على أساس المحبة والصداقة معهم.