قالوا قلت وعليكم. فأنزل الله عزوجل (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللهُ) ... (١).
التّفسير
النجوى من الشيطان : البحث في هذه الآيات هو استمرار لأبحاث النجوى السابقة. يقول سبحانه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ).
ويستفاد من هذه الآية بصورة جليّة أنّ المنافقين واليهود قد نهوا من قبل ومنعوا من النجوى التي تولّد سوء الظن عند الآخرين وتسبّب لهم القلق.
واستمراراً لهذا الحديث فإنّ القرآن الكريم يشير إلى مورد آخر من أعمال التجاوز والمخالفة للمنافقين واليهود ، حيث يقول تعالى : (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللهُ).
«حيّوك : من مادة تحيّة مأخوذة في الأصل من الحياة بمعنى الدعاء بالسلام والحياة الاخرى ؛ والمقصود بالتحية الإلهية في هذه الآية هو : (السلام عليكم) أو (سلام الله عليك) والتي وردت نماذج منها في الآيات القرآنية عن الأنبياء وأصحاب الجنة ، ومن جملتها قوله تعالى في الآية (١٨١) من سورة الصافات : (سَلمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ).
ثم يضيف تعالى أنّ هؤلاء لم يرتكبوا مثل هذه الذنوب العظيمة فقط بل كانوا مغرورين متعالين وكأنّهم سكارى فيقول عزوجل : (وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ). وبهذه الصورة فإنّهم قد أثبتوا عدم إيمانهم بنبوّة الرسول صلىاللهعليهوآله وكذلك عدم إيمانهم بالإحاطة العلمية لله سبحانه.
ويرد عليهم القرآن الكريم : (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
والطبيعي أنّ هذا الكلام لا ينفي عذابهم الدنيوي ، لأنّ النجوى قد تكون بين المؤمنين أحياناً وذلك للضرورة أو لبعض الميول ، لذا فإنّ الآية اللاحقة تخاطب المؤمنين ستكون مناجاتهم في مأمن من التلوّث بذنوب اليهود والمنافقين حيث يقول الباريء عزوجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
يستفاد من هذا التعبير ـ بصورة واضحة ـ أنّ النجوى إذا كانت بين المؤمنين فيجب أن
__________________
(١) صحيح مسلم ٧ / ٥ ؛ صحيح البخاري ٨ / ٥١ ؛ وفي الكافي عن أبي جعفر عليهالسلام ٢ / ٦٤٨.