كلام الشيخ الصدوق رحمهالله وما ذهب إليه السيّد المرتضى رحمهالله ، فكلّهم لا يرتضون الإتيان بها على نحو الجزئية لعدم مساعدة النصوص على القول بها ، وهذا يعني عند هؤلاء الأعلام الثلاثة أنّه لا توجد روايات ناهضة للقول بجزئيتها ، ولقد تقدّم في الأمثلة التي سردناها عن الشيخ الطوسي بأنّ الشيخ يرى حجيّة الشاذّ بنحو الاقتضاء ـ بل الفعلية فيما لو أمكن الجمع ـ ولذلك أفتى بمقتضى هذا المبنى بالاستحباب ، فقد قال في ردّ مضمون الخبر المصرّح بضرورة غسل موضع قصّ الأظافر بالحديد : « فالوجه في هذا الخبر ( الشاذ ) أن نحمله على ضرب من الاستحباب » .
ومن كلّ ذلك نقف على نتيجة مهمّة ، وهي أنّ الشيخ لم يكن يرى الحجيّة الفعلية في أخبار الشهادة الثالثة للقول بجزئيتها أو للفتوى بالاستحباب ، فالشيخ لم يقل بحملها على ضرب من الاستحباب هنا كما فعل بالخبر الشاذّ المصرِّح بوجوب غسل موضع قص الاظافر بالحديد ، وهذا معناه أنّ أخبار الشهادة الثالثة لا تمتلك حجيّة فعلية في خصوص ذلك ، لكن يبدو كما احتملنا قويّاً بأنّ الشيخ يرى أنّ لها حجيّة فعلية لتكون دليلاً للفتوى بالجواز ؛ يشهد لذلك أنّه قال : « لم يأثم به » فالتفِتْ لذلك فهذا التفضيل قد غاب في كلمات العلماء .
هذا مع الإشارة إلى أنّ القول برجحان أو عدم رجحان الشهادة الثالثة لا يقف عند هذا الحدّ ؛ إذ هناك أدلّة أخرى لم يتعرّض لها الشيخ الطوسي ، كالعمومات ، وموثقة سنان بن طريف وحسنة ابن أبي عمير ، وغير ذلك مما يثبت الرجحان المطلق كما اتضح وسيتّضح أكثر .
الأمر الثالث : قال الشيخ الطوسي في مقدمة كتابه المبسوط :
|
وكنت على قديم الوقت عملت كتاب
النهاية ، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم وأُصولها من المسائل ، وفرّقوه في كتبهم ، ورتّبته ترتيب الفقه ، وجمعت من النظائر ، ورتّبت فيه |