إنّ اعتقاد الصدوق ببعض أقسام التفويض وعدم نفيه لجميعها وكون التفويض عنده وعند غيره على قسمين : تفويض مشروع ، وتفويض محرّم ، وأنّ هذا القسم يرشدنا إلى لزوم دراسة موضوع التفويض أكثر ممّا مضى ، ولكي نعرف ما الذي يعنيه الصدوق من التفويض ، وهل حقّاً إنّه يرتبط بالشهادة الثالثة ، أم لا ؟ فلو كانت الشهادة بالولاية في معناها العام من التفويض ، كان علينا القول بأنّ جميع فقهاء الإمامية ومنهم الشيخ الصدوق من المفوّضة أو الغلاة ، وهذا ما لا يجرؤُ على قوله أحد من الشيعة بل هو مستحيل منطقياً .
ويضاف إليه : أنّ رواية الشيخ الصدوق لأخبار دالّة على وجود الشـهادة بالولاية بعد تكبيرة الإحرام ، وحين دعاء التوجّه إلى الصلاة (١) ، وفي قنوت الصلاة (٢) ، وفي التشهد (٣) ، وفي تعقيبات صلاة الزوال (٤) ، كلها تؤكّد بأنّ الشهادة الثالثة هي من الذكر المحبوب الوارد في الشريعة ، وهو يدعونا أن نحتمل مرة أخرى علاوة على ما سبق : أن نصّ الفقيه في الأذان قد صدر عنه تقيةً ، أو أنّه عنى المفوضة بالخصوص لزيادتهم أخباراً موضوعة دالّة على وجوبها . بل قد يكونا معاً لشهادة الشيخ بأنه والمذهب يعيشان ظروف التقية حتّى ظهور القائم ، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى كان يرى قدسسره ـ وهذا هو الحقّ ـ الوقوف بوجه الكذّابين الوضّاعين الذين يريدون تشويه صورة المذهب وحقيقته من خلال الأذان وغيره .
ويقوى احتمال التقية حينما تقف على أخذه الرواية عن كثير من أعلام العامّة
__________________
(١) المقنع : ٩٣ ، من لا يحضره الفقيه ١ : ٣٠٢ ـ ٣٠٤ / ح ٩١٦ . وانظر فقه الرضا المنسوب لوالد الصدوق : ١٠٥ .
(٢) الفقيه ١ : ٤٩٣ / ح ١٤١٥ .
(٣) فقه الرضا ، المنسوب لوالد الصدوق : ١٠٨ .
(٤) المقنع : ٩٦ ، الفقيه ١ : ٣١٩ / ح ٩٤٤ .