إرادة الإطلاق كذلك ، فلا حجّة للعموم أو الإطلاق إلّا حجّة زعميّة لا واقعيّة ، وقياس المقام بالأصل والأمارة مع الفارق ، ألا ترى ، أنّه لو توضّأ بماء محكوم بالطّهارة بحكم قاعدة الطّهارة ثمّ قامت البيّنة على نجاسته ، لزم إعادة الصّلوات المأتي بها بهذا الوضوء ، وكذا الغسل والاغتسال بذاك الماء ، كما أنّه لو استصحب الوضوء فانكشف الخلاف بعد الإتيان بصلوات بذلك الوضوء ، تجب إعادتها.
المورد الثّاني : ما إذا كان لأحد الدّليلين قدر متيقّن في مقام التّخاطب ، بتقريب : أنّ وجود القدر المتيقّن في أحدهما وإن لم يوجب تقييد الآخر ، ما لم يصل إلى المرتبة الموجبة للانصراف إلى ذلك المتيقّن ، لكن لا مجال للتّعارض بمجرّد وجوده ، إذ ماله قدر متيقّن يكون كالنّص فيه ، فيصلح أن يصير قرينة على التّصرّف في الآخر ، نظير قولنا : «أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق» فإنّ مادّة الاجتماع وهو العالم الفاسق وإن كان محلّا للتّعارض بين الدّليلين ، إلّا أنّه إذا علم من حال الآمر أنّه يبغض فسّاق العلماء ويكره إكرامهم كراهة شديدة ، كانوا مندرجين تحت «لا تكرم الفسّاق» ومعناه : أنّ القدر المتيقّن من هذا الدّليل هو العالم الفاسق ويكون كالنّص فيه ، فكأنّه قيل : لا تكرم فسّاق العلماء ، وهذا يوجب أن يتصرّف في الدّليل الآخر (أكرم العلماء) بالتّخصيص ، فيقال : «أكرم العلماء غير الفسّاق» أو «إلّا فسّاقهم».
هذا ، ولكن أشكل الإمام الرّاحل قدسسره (١) على هذا المورد بما لا يخلو عن قوّة ، توضيح الإشكال يتوقّف على بيان المراد من المتيقّن في مقام التّخاطب ، فنقول : إنّ المراد منه هو أن يكون ذلك المتيقّن متبادرا من نفس اللّفظ ، منسبقا إلى ذهن المخاطب
__________________
(١) راجع ، الرّسائل ، ص ١٩ و ٢٠ (مبحث التّعادل والتّرجيح).