(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) بحسن الصورة وكمال السيرة ، أو فضلك علينا رغما على أنفنا ، (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) أي : والحال أن شأننا أنّا كنا مذنبين فيما فعلنا معك. (قالَ لا تَثْرِيبَ) : لا عتاب (عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) أي : لا عقوبة عليكم فى هذا اليوم. ثم دعا لهم فقال : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) ، فيوقف على اليوم. وقيل : يتعلق بيغفر ، فيوقف على ما قبله ، وهو بعيد ؛ لأنه تحكم على الله ، وإنما يصلح أن يكون دعاء ، إذ هو الذي يليق بآداب الأنبياء ، فكأنه أسقط حق نفسه بقوله : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) ، ثم دعا الله أن يغفر لهم الله حقه. قاله ابن جزى ، وصدر به البيضاوي. وبه تعلم ضعف وقف الهبطى. ثم قال فى تمام دعائه : (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ؛ فإنه يغفر الصغائر والكبائر ، ويتفضل على التائب.
قال البيضاوي : ومن كرم يوسف عليهالسلام أنهم لما عرفوه أرسلوا له ، وقالوا : إنك تدعوننا بالبكرة والعشى إلى الطعام ، ونحن نستحى منك لما فرط منا فيك ، فقال لهم : إن أهل مصر كانوا ينظرون إلىّ بالعين الأولى ، ويقولون : سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ، ولقد شرفت بكم ، وعظمت فى أعينهم حيث إنكم إخوتى ، وإنى من حفدة إبراهيم عليهالسلام. ه.
الإشارة : من رام الدخول إلى حضرة الكريم الغفار ، فليدخل من باب الذل والانكسار. وفى الحكم : «ما طلب لك شىء مثل الاضطرار ، ولا أسرع بالمواهب مثل الذلة والافتقار». فإذا قرعت الباب ، ورمت الدخول مع الأحباب ، فقل بلسان التضرع والانكسار : يا أيها العزيز الغفار مسنا الضر ، وهو البعد والغفلة ، وجئنا ببضاعة مزجاة ؛ عمل مدخول ، وقلب معلول ، فأوف لنا ما أملناه من الجزاء المأمول ، وتفضل علينا بالقبول والوصول ، وقل : اليوم نغفر لكم ونغطى مساوءكم ، ونوصلكم بما منى إليكم من الإحسان ، لا بما منكم إلينا من الطاعة والإذعان. هؤلاء إخوة يوسف لما أظهروا فاقتهم ، واستقلوا بضاعتهم ، وأحضروا شكايتهم ، سمح لهم وقربهم ، وكشف لهم عن وجهه الجميل ، ومنحهم العطاء الجزيل ، فما ظنك بالرب العظيم الجليل ، الذي هو أرحم الراحمين ، ومحل أمل القاصدين.
ثم أمرهم بالرجوع إلى أبيهم ، والإتيان به وبمن معه من أولادهم ، فقال :
(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى