وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨))
قلت : جواب (لو لا) : محذوف ، أي : لو لا أن تفندون لقلت إنه قريب ، أو لصدقتمونى.
يقول الحق جل جلاله : قال يوسف لإخوته لما عرفوه ، وأزال ما بينه وبينهم من الوحشة ، وقد أخذ قميصه : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) ، روى أن هذا القميص كان لإبراهيم الذي لبسه حين كان فى النار ، وقيل : ألبسه له جبريل حين خرج من النار ، وكان من ثياب الجنة ، ثم كان لإسحاق ثم ليعقوب ، ثم كان دفعه ليوسف ، فكان عنده فى حفاظ من قصب ، وكان فى عنقه فى الجب ، وأمره جبريل بإرساله ، وقال : إن فيه ريح الجنة ، لا يلقى على مبتلى إلا عوفى. قال ابن عطية : وهذا كله يحتاج إلى سند ، والظاهر : أنه قميص يوسف الذي هو منه بمنزلة قميص كل أحد. وبهذا تتبين الغرابة فى أن وجد يعقوب ريحه من بعد ، ولو كان من قميص الجنة لما كان فى ذلك غرابة ، ويجده كل أحد. ه.
قلت : وما قاله لا ينهض ؛ لأن ما ظهر من الجنة إلى دار الدنيا لا يبقى على حاله دائما ؛ لأنه من أسرار الغيب ، بل لا يجده إلا أهل الذوق من أهل القرب ، كنور الحجر الأسود ، وغيره مما نزل من الجنة. والله تعالى أعلم.
ثم قال لهم اذهبوا به : (فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) أي : يرجع بصيرا ، علم ذلك بوحي ، أو تجربة من القميص ، (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) ؛ نسائكم وذارريكم وأموالكم.
(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) من مصر ، وخرجت من عمارتها ، (قالَ أَبُوهُمْ) لمن حضره : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) ؛ أوجده الله ، ريح ما عبق من قميصه حين أقبل إليه به يهوذا من ثمانين فرسخا ؛ لأن يعقوب كان إذ ذاك ببيت المقدس ، ويوسف بمصر ، (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) ؛ تنسبونى إلى الفند ، وهو : نقصان عقل يحدث من هرم. ولذلك لا يقال عجوز مفندة ؛ لأن نقصان عقلها ذاتى. أي : لو لا أن تحمقونى لقلت إنه قريب ، أو لصدقتمونى فى ذلك ، أو لو لا أن تلومونى ، وتردوا علىّ قولى لقلت إنه ريح يوسف. (قالُوا) أي : الحاضرون : (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) أي : إنك لفى خطئك القديم بالإفراط فى محبة يوسف ، وإكثار ذكره ، وتوقع لقائه.