ثم ذكر سجن يوسف ، وما يتبعه من إخراجه ، وتمليكه وتمكينه ، فقال :
(ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨))
قلت : (ليسجننه) : مفسر للفاعل ، أي : ظهر لهم سجنه ؛ إذ الجملة لا تكون فاعلا على المشهور ، وجوزه بعضهم مستدلا بالآية. وقيل : محذوف ، أي : بدا لهم رأى ليسجننه. وقال الإمام القصار ، الفاعل هو القسم المفهوم من اللام الموطئة له ، أي : بدا لهم قسمهم ليسجننه.
يقول الحق جل جلاله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ) أي : ظهر للعزيز وأهله ، (مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) الدالة على براءة يوسف ؛ كشهادة الصبى ، وقدّ القميص ، وقطع الأيدى ، واستعصامه منهن ، فظهر لهم سجنه. وأقسموا (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) : حتى يظهر ما يكون منه ؛ ليظن الناس أنها محقة فيما ادعت عليه. فخدعت زوجها حتى وافقها على سجنه. وروى أنه لما أدخل السجن ندمت زليخا على سجنه ، وعيل صبرها على فراقه ، فأرسلت إلى السجان ليطلقه ، فأبى ، فلبث فيه سبع سنين.
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ) أي : فسجنوه واتفق أنه دخل معه فى ذلك اليوم رجلان آخران ، من عبيد الملك : ساقيه وخبازه ، اتهما أنهما أرادا أن يسمّاه ، (قالَ أَحَدُهُما) وهو الساقي : (إِنِّي أَرانِي) فى المنام (أَعْصِرُ خَمْراً) أي : عنبا. وسماه خمرا : باعتبار ما يؤول إليه. روى أنه قال : رأيت كأن الملك دعانى وردنى إلى قصره ، فبينما أنا أدور فى القصر ، وإذا بثلاثة عناقيد من العنب ، فعصرتها ، وحملت ذلك إلى الملك لأسقيه له.