الإشارة : قال الورتجبي : فى الآية تحذير الربانيين العارفين بالله وبحقوق الله ، والأحبار العلماء بالله وبعذاب الله لمن عصاه ، وبثواب الله لمن أطاعه ؛ لئلا يسكنوا عن الزجر للمبطلين والمغالطين ، المائلين عن طريق الحق إلى طريق النفس ، وبيّن تعالى أن من داهن فى دينه عذب وإن كان ربانيا. ه. وفى بعض الأثر : «إذا رأى العالم المنكر وسكت ، فعليه لعنة الله». والذي يظهر أن نهى الربانيين يكون بالهمة والحال ، كقضية معروف الكرخي وغيره ، ونهى الأحبار يكون بالمقال ، وقد تقدم هذا. والله تعالى أعلم.
ثم ندبهم إلى الإسلام فقال :
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦))
يقول الحق جل جلاله : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ) ؛ اليهود والنصارى ، (آمَنُوا) بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبما جاء به ، (وَاتَّقَوْا) ما ذكرنا من معاصيهم ومساويهم ، (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) المتقدمة ، ولم نؤاخذهم بها ، (وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) مع المؤمنين ، وفيه تنبيه على أن الإسلام يجب ما قبله ولو عظم ، وأن الكتابي لا يدخل الجنة إلا أن يسلم.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) بالإيمان بما فيهما ، وإذاعة علمهما ، والقيام بأحكامهما ، من غير تفريق بينهما ، وآمنوا بما (أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) ، يعنى : بسائر الكتب المنزلة ، ومن جملتها القرآن العظيم ، فإنهم لما كلفوا بالإيمان بها صارت كأنها منزلة عليهم ، فلو فعلوا ذلك (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أي : لوسعنا عليهم أرزاقهم ، وبسطنا عليهم النعم ؛ بأن يفيض عليهم بركات من السماء والأرض ، أو : لأكلوا من فوقهم بكثرة ثمرة الأشجار ، ومن تحت أرجلهم بكثرة الزروع ، أو من فوقهم ما يجنون من ثمار أشجارهم ، ومن تحت أرجلهم ما يتساقط منها ، والمراد : بيان علة قبض الرزق عنهم ، وأن ذلك بشؤم كفرهم ومعاصيهم ، لا لقصور القدرة عن ذلك.
ولو أنهم أقاموا ما ذكرنا لو سعنا عليهم ، ولحصل لهم خير الدارين ، (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) أي : جماعة عادلة غير غالية ولا مقصرة ، وهم الذين آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) أي : قبح عملهم ، وفيه معنى التعجب ، أي : ما أسوأ عملهم! ، وهو المعاندة وتحريف الحق والإعراض عنه ، والإفراط فى العداوة. قاله