البيضاوي. قال فى الحاشية : وفى الآية شاهد لما ورد من افتراق أهل الكتابين على فرق ، كما أن شاهد افتراق هذه الأمة آية : (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) (١) ، وهذه هى الناجية من هذه الأمة ه. يعنى التي تهدى بالحق إلى الحق ، وتعدل به فى جميع الأمور.
الإشارة : كل من حقق الإيمان الكامل والتقوى الكاملة ، وسع الله عليه فى أرزاق العلوم ، وفتحت له مخازن الفهوم ، ودخل جنة المعارف ، فلم يشتق إلى جنة الزخارف ، وقال الورتجبي : لو كانوا على محل التحقيق فى المعرفة لأكلوا أرزاق الله بالله من خزائن غيبه ، كأصحاب المن والسلوى والمائدة من السماء ، ويفتح لهم كنوز الأرض وهم على ذلك ، بإسقاط رؤية الوسائط. ه.
وقال القشيري : لو سلكوا سبيل الطاعات لوسعنا عليهم أسباب المعيشة ، وسهلنا لهم الحال ، إن ضربوا يمنة ، لا يلقون غير اليمن ، وإن ضربوا يسرة ، لا يجدون إلا اليسر. ه.
ثم أمر رسوله بالتبليغ من غير مبالاة بأهل التشغيب ، فقال :
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧))
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) جميع (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) غير مراقب أحدا ولا خائف مكروها ، (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) ؛ بأن لم تبلغ جميع ما أمرتك وكتمت شيئا منه ، (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) أي : كأنك ما بلغت شيئا من رسالة ربك ؛ لأن كتمان بعضها يخل بجميعها ، كترك بعض أركان الصلاة. وأيضا كتمان البعض يخل بالأمانة الواجبة فى حق الرسل ، فتنتقض الدعوة للإخلال بالأمانة ، وذلك محال. ولا يمنعك أيها الرسول عن التبليغ خوف الإذاية فإن (اللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) بضمان الله وحفظه ، (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي : لا يمكنهم مما يريدونه منك. وقد قصده قوم بالقتل مرارا ، فمنعهم الله من ذلك كما فى السير عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «بعثني الله برسالته ، فضقت بها ذرعا ، فأوحى الله لى : إن لم تبلّغ رسالتى عذّبتك ، وضمن لى العصمة فقويت» (٢).
__________________
(١) من الآية ١٨١ من سورة الأعراف.
(٢) عزاه المناوى فى الفتح السماوي ٢ / ٥٧٤ لاسحاق بن راهويه فى مسنده من حديث أبى هريرة.