(وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) ، قيل : ابن عمها. وقيل : ابن خالها صبيا فى المهد. وكونه من أهلها أوجب للحجة عليها ، وأوثق لبراءة يوسف. وكونه لم يتكلم قط ، ثم تكلم كرامة ليوسف عليهالسلام ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «تكلم فى المهد أربعة : ابن ماشطة ابنة فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى». وذكر مسلم فى صحيحه ـ فى قصة الأخدود ـ : «أن امرأة أتى بها لتطرح فى النار ، ومعها صبى يرضع ، فقال لها : يا أمّه ، اصبري ، لا تجزعى. فإنك على الحق ..» (١) وعدّ بعضهم عشرة تكلموا فى المهد ، فذكر إبراهيم عليهالسلام ، ويحيى ابن زكريا ، ومريم ، ونبينا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وطفلا فى زمنه عليهالسلام ، وهو : مبارك اليمامة ، وقد نظمهم السيوطي ، وزاد واحدا ، فقال :
تكلّم فى المهد النّبىّ محمّد |
|
ويحيى وعيسى والخليل ومريم |
وصبىّ جريج ثم شاهد يوسف |
|
وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم |
وطفل عليه مرّ بالأمة الّتى |
|
يقال لها تزنى ولا تتكلّم |
وماشطة فى عهد فرعون طفلها |
|
وفى زمن الهادي المبارك تختم |
وذكر ابن وهب عن أبى لهيعة قال : بلغني أن المولود فيما تقدم كان يولد فى الليل ، فيصبح يمشى مع أمه. ه وضعف ابن عطية كون شاهد يوسف صبيا بالحديث : «لم يتكلم فى المهد إلا ثلاثة» ، وبأنه لو كان الشاهد صبيا لكان الدليل نفس كلامه ، دون أن يحتاج إلى الاستدلال بالقميص. ه. وقد يجاب بأن الحصر باعتبار بنى إسرائيل ، مع أن الوحى يتزايد شيئا فشيئا ، فأخبر بثلاثة ، ثم أخبر بآخرين ، وبأن الاستدلال وقع بهما تحقيقا للقضية.
ثم ذكر الحق تعالى ما قاله الشاهد ، فقال : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) ؛ لأنه يدل على أنها قدت قميصه من قدامه بالدفع عن نفسها. أو لأنه أسرع خلفها فعثر بذيله فانقدّ جيبه. (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ؛ لأنها جذبته إلى نفسها حين فرّ منها. والجملة الشرطية محكية بالقول ، أي : قال : إن كان ... إلخ. وتسميتها شهادة ؛ لأنها أدت مؤداها. والجمع بين «إن» و «كان» : على تأويل : إن يعلم أنه كان ، ونحوه ، ونظيره : قولك : إن أحسنت إلىّ فقد أحسنت إليك من قبل. فإن معناه : إن تمدن على بإحسانك امنن عليك بإحسانى. ومعناه : إن ظهر أنه كان قميصه .. إلخ.
__________________
(١) أخرجه مسلم فى (الزهد والرقائق ، باب قصة أصحاب الأخدود ...) من حديث صهيب رضى الله عنه.