(فَلَمَّا رَأى) زوجها قميص يوسف (قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ) أي : قولك : (ما جَزاءُ ...) إلخ. (مِنْ كَيْدِكُنَ) ؛ من حيلتكن. والخطاب لها ولأمثالها ولسائر النساء ، (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ؛ لأن كيد النساء ألطف وأعلق بالقلب ، وأشد تأثيرا من النفس والشيطان ؛ لأنهن يواجهن به الرجال ، والنفس والشيطان يوسوسان مسارقة. ثم التفت العزيز إلى يوسف وقال : (يُوسُفُ) أي : يا يوسف. وحذف النداء ؛ إشارة إلى تقريبه وملاطفته ، (أَعْرِضْ عَنْ هذا) الأمر واكتمه ، ولا تذكره ، (وَاسْتَغْفِرِي) يا زليخا (لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) ؛ من القوم المذنبين ، من خطأ ؛ إذا أذنب متعمدا. والتذكير للتغليب. قاله البيضاوي.
الإشارة : إذا أراد الله أن يصافى عبده بخصوصية النبوة أو الولاية ، كلأه بعين الرعاية ، وجذبه إليه بسابق العناية ؛ فإذا امتحنه أيّده بعصمته ، وسابق حفظه ورعايته. ولا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية ؛ فالشهوة فى البشر أمر طبيعى ، وبمجاهدتها ظهر شرفه. لكن النفس المطمئنة لا تحتاج فى دفعها إلى كبير مجاهدة.
والنفس اللوامة لا بد فى دفعها من المكابدة والمجاهدة ؛ فالهواجم والخواطر ترد على القلوب كلها ، لكن النفس المطمئنة لها قوة على دفعها ، وقد تتصرف فيها بإمضاء ما قدره الله الواحد القهار عليها. (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً). وذلك كمال فى حقهم لا نقصان ؛ إذ بذلك تتميز قهرية الربوبية من ضعف العبودية ، فما ظهرت كمالات الربوبية إلا بظهور نقائص العبودية. أما الإصرار على العيوب فلا يوجد مع الخصوصية مطلقا ، وأما هجومها على العبد من غير إصرار فيكون مع وجود خصوصية النبوة والولاية ، وقد تقع بها الزيادة إن صحبها الانكسار والإنابة. وفى الحكم : «ربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول». والله تعالى أعلم.
واعلم أن ما امتحن به الصديق عليهالسلام مع العصمة ، قد وقع مثله كثيرا فى هذه الأمة المحمدية مع الحفظ والامتناع ؛ ذكر الرصاع فى كتاب التحفة : أن بعض الطلبة كان ساكنا فى مدرسة فاس ، فخرجت امرأة ذات يوم إلى الحمام بابنتها ، فتلفّت البنت وبقيت كذلك إلى الليل ، فرأت بابا خلفه ضوء ، فأتت إليه ، فوجدت فيه رجلا ينظر فى كتاب ، فقالت : إن لم يكن الخير عند هذا فلا يكون عند أحد. فقرعت الباب ، فخرج الرجل فذكرت له قصتها ، وأنها خافت على نفسها. فرأى أنه تعيّن عليه حفظها ، فأدخلها وجعل حصيرا بينه وبينها ، وبقي كذلك ينظر فى كتابه ، فإذا بالشيطان زين له عمله ، فحفظه الله ببركة العلم ، فأخذ المصباح ، وجعل يحرك أصابعه واحدا بعد واحد حتى أحرقها ، والبنت تنظر إليه وتتعجب ، ثم خرج ينظر إلى الليل فوجده ما زال ، فأحرق أصابع اليد الأخرى ، ثم لاح الضوء ، فقال : اخرجى ، فخرجت إلى دارها سالمة ، فذكرت القضية لوالديها ، فأتى أبوها إلى مجلس العلم ، وذكر القصة للشيخ ، فقال للحاضرين : أخرجوا أيديكم وأمنوا على دعائى لهذا الرجل ، فأخرجوا أيديهم ، وبقي رجل ، فعلم الشيخ أنه صاحب القضية ، فناداه ، فأخبره ، فذكر أنه زوجه الأب منها. ه. مختصرا.