ثم تكلم على بقية
حفظ الإيمان ، فقال :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ
بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ
عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ
ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤) إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ
وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦))
قلت
: (من) : شرطية ، و
(يرتدد) : فعل الشرط ، فمن قرأه بالتفكيك فعلى الأصل ، ومن قرأه
بالإدغام ففتحه تخفيفا. وجملة (فسوف يأتى) : جواب ، والعائد من الجملة محذوف ، أي
: فسوف يأتى الله بقوم مكانهم .. إلخ. و (أذلة) : نعت ثان لقوم ، جمع ذليل ، وأتى
به مع على ؛ لتضمنه معنى العطف والحنو ، و (لا يخافون) : عطف على يجاهدون ، وجملة
: (وهم راكعون) : حال ، إن نزلت فى علىّ رضى الله عنه ، أو عطف إن كانت عامة.
يقول
الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) ويرجع عنه بعد الدخول فيه ، فسيأتى الله بقوم مكانهم ؛ (يُحِبُّهُمْ) فيثبتهم على دينهم ، (وَيُحِبُّونَهُ) فيجاهدون من رجع عن دينه ، وهم أهل اليمن ، والأظهر أنهم
أبو بكر الصدّيق وأصحابه ، الذين قاتلوا أهل الردة ، ويدل على ذلك الأوصاف التي
وصفهم الله بها من الجد فى قتالهم ، والعزم عليه ، التي كانت من أوصاف الصدّيق ،
وكذلك قوله : (أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) فقد كان أبو بكر ضعيفا فى نفسه ، قويا فى ذات الله ، لم
يخف فى الله لومة لائم ، حين لامه بعض الصحابة فى قتالهم.
وفى الآية إخبار
بالغيب قبل وقوعه ، فقد ارتد من العرب فى أواخر عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاث فرق : بنو مدلج ، وكان رئيسهم الأسود العنسي ، تنبأ
باليمن ، واستولى على بلادهم ، ثم قتله فيروز الديلمي ، ليلة قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غدها ، وأخبر بموته الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ فسر
المسلمون. وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب ، تنبأ باليمامة ، وكتب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد : فإن
الأرض نصفها لى ونصفها لك ، فأجابه صلىاللهعليهوسلم : «من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ، أمّا بعد : فإنّ
الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين» ، فحاربه أبو بكر بجند
المسلمين ، وقتله وحشي قاتل حمزة ، وبنو أسد قوم طليحة ، تنبأ فبعث إليه رسول الله
صلىاللهعليهوسلم خالد بن الوليد فقاتله ، فهرب إلى الشام ، ثم أسلم وحسن
إسلامه.
__________________