وفى عهد أبى بكر ، بنو فزارة قوم عيينة بن حصن ، وغطفان قوم قرة بن مسلمة ، وبنو سليم ، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة ، وبعض تميم ، قوم سجاح المتنبئة زوجة مسيلمة ، وكندة قوم الأشعث بن قيس ، وبنو بكر بن وائل بالبحرين ، فكفى الله أمرهم على يديه. وفى مدة عمر رضى الله عنه غسان ، قوم جبلة بن الأيهم ، الذي ارتد من اللطمة. فهؤلاء جملة من ارتد من العرب. فأتى الله بقوم أحبهم وأحبوه ، فجاهدوهم حتى ردوهم إلى دينهم. ومحبة الله للعبد : توفيقه وعصمته وتقريبه من حضرته. ومحبة العبد لله : طاعته والتحرز من معصيته ، وسيأتى فى الإشارة الكلام عليها.
ثم وصفهم بقوله : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي : عاطفين عليهم خافضين جناحهم لهم ، (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) شداد متغالبين عليهم ، وهذا كقوله فيهم : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، (١) (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) من ارتد عن دين الله ، (وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) لصلابتهم فى دين الله ، وفيه إشارة إلى خطأ من لام الصّدّيق فى قتال أهل الردة ، وقالوا له : كيف تقاتل قوما يقولون : لا إله إلا الله؟ فقال : (والله لنقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة) ـ فلم يلتفت إلى لومهم. (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ، الإشارة إلى ما خصهم الله به ، من المحبة والأخلاق الكريمة ، (وَاللهُ واسِعٌ) الفضل والعطاء (عَلِيمٌ) بمن هو أهله.
ولمّا نهى عن موالاة الكفار ذكر من هو أهل للموالاة فقال : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ؛ لم يقل : أولياؤكم بالجمع ، تنبيها على أن الولاية لله على الأصالة ، ولرسوله وللمؤمنين على التبع ، ثم وصفهم بقوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) أي : خاضعون لله ، ولعباده متواضعون ، منقادون لأحكامه ، أو يتصدقون فى حال ركوعهم فى الصلاة ، حرصا على الخير ومسارعة إليه ، قيل : نزلت فى على ـ كرم الله وجهه ـ ؛ سأله سائل وهو راكع فى صلاة ، فطرح له خاتمه ، وقيل : عامة ، وذكر الركوع بعد الصلاة ؛ لأنه من أشرف أعمالها.
(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، أي يتخذهم أولياء ، (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) أي : فإنهم الغالبون ، ووضع الظاهر موضع المضمر ليكون كالبرهان عليه ، فكأنه قال : ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، وتنويها بذكرهم وتعظيما لشأنهم ، وتعريضا بمن يوالى غير هؤلاء ، فإنه حزب الشيطان ، وأصل الحزب : القوم يجتمعون لأمر حزبهم. قاله البيضاوي.
الإشارة : محبة الحق تعالى لعبده سابقة على محبته له ، كما أن توبته عليه سابقة لتوبته ، قال تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) ، (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) (٢) ، قال أبو يزيد رضى الله عنه : غلطت فى ابتداء أمرى فى أربعة أشياء : توهمت أنى أذكره وأعرفه وأحبه وأطلبه ، فلما انتهيت ، رأيت ذكره سبق ذكرى ، ومعرفته تقدمت معرفتى ، ومحبته أقدم من محبتى ، وطلبه لى من قبل طلبى له. ه.
__________________
(١) من الآية ٢٩ من سورة الفتح.
(٢) من الآية ١١٨ من سورة التوبة.