وقال ابن عطية : من تولهم بمعتقده ودينه فهو منهم فى الكفر واستحقاق النقمة والخلود فى النار ، ومن تولاهم بأفعاله من العضد ونحوه ، دون معتقد ولا إخلال بإيمان ، فهو منهم فى المقت والمذمة الواقعة عليهم وعليه. ه. وسئل ابن سيرين عن رجل أراد بيع داره للنصارى يتخذونها كنيسة ، فتلا هذه الآية : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ). ه. وفى أبى الحسن الصغير : أن بيع غير السلاح للعدو الكافر فسق ، وبيع السّلاح له كفر.
قلت : ولعله إذا قصد تقويتهم على حرب المسلمين ، وأما الفداء بالسلاح إذا لم يقبلوا غيره ، فيجوز فى القليل دون الكثير. وأجازه سحنون مطلقا ، إذا لم يرج فداؤه بالمال. انظر الحاشية.
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي : ظلموا أنفسهم بموالاة الكفار.
(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهم المنافقون ، (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) أي : فى موالاتهم ومناصرتهم ، (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) أي : يعتذرون بأنهم يخافون أن تصيبهم دائرة من الدوائر ، بأن ينقلب الأمر وتكون الدولة للكفار. روى أن عبادة بن الصامت قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن لى موالى من اليهود ، كثير عددهم ، وإنى أبرأ إلى الله ورسوله من ولايتهم ، فقال ابن أبى : إنى امرؤ أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية موالى ، فنزلت الآية ، قال تعالى ردا عليه : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) لرسول الله صلىاللهعليهوسلم على أعدائه وإظهار المسلمين ونصرهم ، (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) ، يقطع شأفة اليهود ، من القتل والإجلاء ، (فَيُصْبِحُوا) أي : هؤلاء المنافقون ، (عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ) من الكفر والنفاق ، ومن مظاهرة اليهود (نادِمِينَ).
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) حينئذ ـ أي : حين فتح الله على رسوله وفضح سريرة المنافقين ـ : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) ، يقوله المؤمنون بعضهم لبعض ، تعجبا من حال المنافقين وتبجحا بما منّ الله عليهم من الإخلاص ، أو يقولونه لليهود ؛ لأن المنافقين حلفوا لهم بالمناصرة ، كما حكى تعالى عنهم (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) (١) قاله البيضاوي. وقوله : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ). يحتمل أن يكون من كلام المؤمنين ، أو من قول الله تعالى ، شهادة عليهم بحبوط أعمالهم ، وفيه معنى التعجب ، كأنه قال : ما أحبط أعمالهم وما أخسرهم! والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد تقدم مرارا النهى عن موالاة الغافلين ، وخصوصا الفجار منهم ، ويلتحق بهم القراء المداهنون ؛ وهم فسقة الطلبة ؛ الذين هم على سبيل الشيطان ، والفقراء الجاهلون ؛ وهم من لا شيخ لهم يصلح للتربية ، والعلماء المتجمدون ، فصحبة هؤلاء تقدح فى صفاء البصيرة ، وتخمد نور السريرة ، وكل من تراه من الفقراء يميل إلى هؤلاء خشية الدوائر ، ففيه نزعة من المنافقين. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) من الآية ١١ من سورة الحشر.