مخير ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ، وأفتى به بعض الشافعية ، وقال الشافعي : يجب أن تقسم على هذه الأصناف بالسواء ، إن وجدت.
أولها : الفقير : وهو من لا شىء له ، وثانيها : المسكين : وهو من له شىء لا يكفيه. فالفقير أحوج ، وهو مشتق من فقار الظهر ، كأنه أصيب فقاره ، والمسكين من السكون ، كأن العجز أسكنه. ويدل على هذا قوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) (١) ، فسماهم مساكين مع ملكهم السفينة ، وأنه صلىاللهعليهوسلم سأل المسكنة ؛ وقيل بالعكس ، لقوله تعالى : (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) (٢). وقيل : هما سواء. (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) أي : الساعين فى تحصيلها وجمعها ، ويدخل فيهم الحاشر والكاتب والمفرق ، ولا بأس أن يعلف خيلهم منها ، ويضافون منها بلا سرف. (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) قال مالك : هم كفار ظهر ميلهم للإسلام ، فيعطون ترغيبا فى الإسلام. وقيل : قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة ، فيعطون ليتمكن الإسلام فى قلبهم ، وحكمهم باق ، وقيل : أشراف يترقب بإعطائهم إسلام نظائرهم.
(وَفِي الرِّقابِ) أي : فى فك الرقاب ، يشترون ويعتقون. (وَالْغارِمِينَ) ، أي : من عليهم دين ، فيعطى ليقضى دينه ، ويشرط أن يكون استدانه فى غير فساد ولا سرف ، وليس له ما يبيع فى قضائه. (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) يعنى : الجهاد ، فيعطى منها المجاهدون وإن كانوا أغنياء ، ويشترى منها آلة الحرب ، ولا يبنى منها سور ولا مركب. (وَابْنِ السَّبِيلِ) وهو الغريب المحتاج لما يوصله لبلده ، ولم يجد مسلفا ، إن كان مليّا ببلده ، وإلا أعطى مطلقا.
فرض الله ذلك (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) أي : حقّا محدودا عند الله. قال ابن جزى : ونصبه على المصدر ـ يعنى : لفعل محذوف كما تقدم ـ فإن قيل : لم ذكر مصرف الزكاة فى تضاعيف ذكر المنافقين؟ فالجواب : أنه خص مصرف الزكاة فى تلك الأصناف ؛ ليقطع طمع المنافقين فيها ، فاتصلت هذه الآية فى المعنى بقوله : (ومنهم من يلمزك فى الصدقات ..). ه. (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ؛ يضع الأشياء فى مواضعها.
الإشارة : إنما النفحات والمواهب للفقراء والمساكين ، الذين افتقروا من السّوى ، وسكنوا فى حضرة شهود المولى. وفى الحكم : «ورود الفاقات أعياد المريدين ، ربما وجدت من المزيد فى الفاقة ما لا تجده فى الصوم والصلاة ، الفاقات بسط المواهب. إن أردت بسط المواهب عليك فصحح الفقر والفاقة لديك. (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ)».
__________________
(١) من الآية ٧٩ من سورة الكهف.
(٢) الآية ١٦ من سورة البلد.