يقول الحق جل جلاله : (وَمِنْهُمْ) ؛ ومن المنافقين (مَنْ يَلْمِزُكَ) أي : يعيبك ، ويعترض عليك (فِي) قسم (الصَّدَقاتِ) ، (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا) وفرحوا ، (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها) شيئا (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ). والآية نزلت فى ابن أبي ؛ رأس المنافقين ، قال : ألا ترون إلى صاحبكم إنّما يقسم صدقاتكم فى رعاة الغنم ، ويزعم أنّه يعدل. وقيل : فى ذى الخويصرة رأس الخوارج ، كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسم غنائم حنين ، فاستعطف قلوب أهل مكة ، فآثرهم بالعطاء ، فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال : «ويلك ، إن لم أعدل فمن يعدل؟» (١).
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) أي : بما أعطاهم الرسول من الغنيمة ، وذكر الله ؛ للتعظيم وللتنبيه على أن ما فعله الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان بأمر الله ووحيه ، فكأنه فعله هو. (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) أي : كفانا فضله ، (سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) صدقة أو غنيمة أخرى ، فيؤتينا أكثر مما أتانا ، (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) فى أن يغنينا من فضله وجوده. فلو فعلوا هذا لكان خيرا لهم من اعتراضهم عليك ، الموجب لهم المقت والعذاب.
الإشارة : لا يكون المؤمن كاملا حتى يستوى عنده المنع والعطا ، والفقد والوجد ، والفقر والغنى ، والعز والذل. وأما إن كان فى حالة العطاء والوجد يفرح ، وفى حالة المنع والفقد يسخط ، فلا فرق بينه وبين أهل النفاق ، إلا من حيث التوسم بالإيمان ، ولو أنه رضى بما قسم الله له ، واكتفى بعلمه ، ورغب الله فى زيادته من فضله ، لكان خيرا له وأسلم. والله تعالى أعلم وأحكم.
ثم بيّن مصرف الصدقات الواجبة ؛ قطعا لأطماع من لا يستحقها ، فقال :
(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّمَا) تدفع (الصَّدَقاتُ) الواجبة ـ أي : الزكاة ـ لهؤلاء الثمانية ، وهذا يرجّح أن لمزهم كان فى قسم الزكاة لا فى الغنائم ، واختصاص دفع الزكاة بهؤلاء الثمانية مجمع عليه ، واختلف : هل يجب تعميمهم؟ فقال مالك : ذلك إلى الإمام ، إن شاء عمم وإن شاء خصص ، وإن لم يلها الإمام ؛ فصاحب المال
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (المناقب ، باب علامات النبوة) ومسلم فى (الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم) من حديث أبى سعيد الخدري ـ رضى الله عنه ـ.