شيئا من مصنوعاته ، ولا يصغر شيئا من تجلياته ، إذ ما فى الوجود إلا تجليات العلى الكبير ، إما من مظاهر اسمه الحكيم ، أو اسمه القدير ، فيعطى الحكمة حقها والقدرة حقها ، ويتلون مع كل واحدة بلونها ، وبالله التوفيق.
ثم ذكر وصف نفاق المنافقين ، فقال :
(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧))
قلت : الفرق : الخوف ، و (مدخلا) : أصله : متدخلا ، مفتعل من الدخول ، قلبت التاء دالا وأدغمت.
يقول الحق جل جلاله : (وَيَحْلِفُونَ) لكم (بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) أي : من جملة المسلمين ، (وَما هُمْ مِنْكُمْ) ؛ لكفر قلوبهم ، (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) : يخافون منكم أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين ، فيظهرون الإسلام تقية وخوفا (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) أي : حصنا يلتجئون إليه ، (أَوْ مَغاراتٍ) ؛ غيرانا ، (أَوْ مُدَّخَلاً) ؛ ثقبا أو جحرا ينجحرون فيه. وقرأ يعقوب : «مدخلا» ؛ بضم الميم وسكون الدال ، أي : دخولا ، أو مكانا يدخلون فيه ، (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) أي : يسرعون إسراعا لا يردهم شيء كالفرس الجموح.
الإشارة : قد يتطفل على القوم من ليس منهم ، فيظهر الوفاق ويبطن النفاق ، كحال أهل النفاق ، فينبغى أن يستر ويحلم عليه ، كما فعل عليه الصلاة والسلام ـ بالمنافقين ، تلطف معهم فى حياتهم ، والله يتولى سرائرهم ، وبالله التوفيق.
ثم شرع يتكلم فى مساوئ المنافقين ، فقال :
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩))
قلت : (لو) : شرطية ، و (أنهم) : قال سيبويه : مبتدأ ، والخبر محذوف : ولو رضاهم ثابت أو موجود .. إلخ. وقال غيره : فاعل بفعل محذوف ؛ ولو ثبت رضاهم ، وجواب (لو) : محذوف ، أي : ولو أنهم رضوا لكان خيرا لهم.