يعجب به أهله ، ويطمئنّون إليه في تقريظه ، فقلت له مجيبا : لئن قلت ذلك فإنّا لا نعرف مصرا جاهليّا ولا إسلاميّا أفضل من البصرة ، ولا أرضا يجري عليها الأتاوة أشرف من أرض الصّدقة ، ولا شجرة هي أفضل من النخلة ، ولا نعرف بلدا أقرب برّأ من بحر ، وحضرا من بدو ، وريفا من فلاة ، وملّاحا من جمّال ، وقانص وحش من صائد سمك ، ونجدا من غور من البصرة ، فهي واسطة الأرض ، وغوصة البحر ، ومغيض الأقطار ، وقلب الدنيا ، ولقد مثّلت الحكماء الأرض بصورة طائر ، فجعلوا الجؤجؤ بما فيه من القلب البصرة ، والرأس الشام والروم ، والجناحين المشرق والمغرب ، والذنب السودان ، وهم أكثر عددا من البيضان ، فكفى بهذا وحده فخرا ، فقال أبو حمران :
كلّ فتاة بفتاها معجبه |
|
والخنفسى في عين أمّه لؤلؤه |
وقالت الأعرابيّة وهي تزفّن ابنا لها وتقول :
يا قوم ما لي لا أحبّ حشوده |
|
وكلّ خنزير يحبّ ولده |
فأين أنت يا أخا البصرة عن خصب الشام والجزيرة وعن فضل المسجد الأقصى والبلاد المقدّسة ، وعن عذاة داري مصر وربيعة ، وعن رفيع قدر الكرمة وعن قول عمرو بن كلثوم :
وعند الله يأتيه دعاها |
|
إلى أرض يعيش بها الفقير |
لأرض الشام وهي حمّى وحبّ |
|
وزيتون وثمّ نشا العصير |
ووالله للرقّة البيضاء وحدها أطيب من البصرة ، وللرافقة أغذى من الأبلّة ، ولحلب أخصب من الكوفة ، وللخم وجذام وأفناء قبائل قضاعة أشرف من بكر وتميم وضبّة ، وللحبلة أفضل من النخلة ، وللعنب أحلى من الرطبة ، وللزبيبة أطيب من التمرة ، ولقد خصّ الله بلاد الشام من بركة الزيتون ، والعواصم والجزيرة من لذّة التين ومن أنواع الفواكه بما يتهالك في أصغره النخل ، ويستبشع معه الرطب والتمر ، قال : فقلت لأبي حمران : قد سمعنا نشيدك ووعينا افتخارك ، ولا