وأما منارة الإسكندريّة فإنه يصعد إليها رجل على برذون حتى يبلغ أعلاها ، وهي مبنيّة على سرطان من زجاج.
وأما بحيرة الطبريّة فإنه يشرع إليها وينتفع بها للغسالات ، فإذا منع منها هذا أنتنت.
والبحيرة المنتنة لا يغرق فيها شيء ، وكلّ شيء يقع فيها فإنما يطفو على رأس الماء.
ومن عيوب الشام كثرة طواعينها ، والناس يقولون : حمّى خيبر وطواعين الشام ودماميل الجزيرة وجرب الزنج وطحال البحرين.
قالوا : ومن أقام بالموصل حولا وجد في قوّته فضلا ، ومن أطال الصوم بالمصّيصة خيف عليه الجنون ، ومن قدم من شقّ العراق إلى بلاد الزنج لم يزل حزينا ما أقام بها ، فإن أكثر من شرب نبيذها وشرب ماء النارجيل صار كالمعتوه (١).
وقال أبو هريرة : أنا لبراغيث الشام أخوف مني لغيرها.
وقالوا في قول الله عزّ وجلّ : (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) قال : من فلسطين.
افتخار الشاميّين على البصريّين وفضل الحبلة على النّخلة
قال أبو عبّاد محمّد بن سلمة البصريّ المعروف بابن العلّاف القارئ : إني لفي يوم من أيّام المعتزّ بالله في ديوان الخراج بسرّمن رأى مع جماعة من قرّاء البصريّين نطالب بأرزاقنا ، وفينا عليّ بن أبي ناشر ، إذ طلع علينا فتية من كتّاب الأنبار ، ومعهم أبو حمران الشاعر ، ونحن نصف البصرة وما خصّت به من أرض الصدقة التي لا يسوغ للسلطان الأعظم تبديلها ، ولا للعمّال تغييرها ، وما فيها من المدّ والجزر والخلجان ومقادير الساعات ومنازل القمر ، فقال أبو حمران : ما من بلد إلّا وقد أعطي نوعاً من الفضل يتفرّد به ، وضربا من المرافق معدولا عن غيره ،
__________________
(١) من قوله (قالوا : ومن أقام ...) إلى هنا في حيوان الجاحظ ٤ : ١٣٥ ، ١٣٩.