أخيرا على كون رسول الله عالما بالتأويل بقوله : وما كان الله لينزّل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله ، إنتهى ، يؤيّد ما ذكرناه ، فإنّ ظاهره استفادة ذلك المعنى من قوله في صدر الآية : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) وقوله عليهالسلام : فقال الذين لا يعلمون ... إلى آخره ، بيان لكيفيّة المعنى بلسان الحال بتحويل الأخبار إلى الإنشاء ؛ للإشارة إلى أنّ هذا القول تعليم وتأديب وهو قول من لا يعلم بالتأويل من الراسخين في العلم ، إذ الناس في العلم صنفان : زائغ قلبه وراسخ في علمه ، والقول ليس هو قول الزائغين قلبا ، فهو قول الراسخين في العلم ممّن لا يعلم التأويل.
وهاهنا معنى ربّما كان لائحا من بعض الروايات وبه يتمّ التوفيق بين الأخبار الظاهرة في كون الواو في قوله (وَالرَّاسِخُونَ) للعطف ، والظاهرة في كونها للإستئناف ، وهو أنّ العلم وكذلك الرسوخ فيه يحتمل المراتب فالمؤمن بإجمال ما جاء به الرسول ، إذا تحقّق ذلك فهو راسخ في علمه ذلك ، وحقيقة الرسوخ هو : الإيقان في العلم ، فما عنده من العلم فهو فيه على يقين ، كما في الكافي عن الباقر ـ عليهالسلام ـ إنّ الراسخين في العلم (١) من لا يختلف في علمه ... الحديث. (٢)
وقد عرفت في ذيل قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) (٣) أنّ أهل اليقين مكشوف لهم الحجاب ، وحينئذ فإذا حمل لفظ الراسخين في العلم على حقيقة معناه كان الأنسب هو العطف على المستثنى ، وإهمال ذكر النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ بالتصريح باسمه ؛ لكون الخطاب معه وحكمه مفهوم من صدر الآية من
__________________
(١). في المصدر : «فإن قالوا : من الراسخون في العلم؟ فقل :»
(٢). الكافي ١ : ٢٤٥ ، الحديث : ١.
(٣). البقرة (٢) : ١٢٤.