وأورد عليه شاهدا
من الشعر ، فلا اعتبار بقوله ، ولا التفات إلى شاهده ، فإنه شعر مولّد وقول فاسد .
وقوله سبحانه : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ
عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٤٦). ولفظ النفحة
هاهنا مستعار. والمراد بها ، إصابة الشيء اليسير من العذاب.
يقال : نفح فلان
فلانا بيده. ونفح الفرس فلانا بحافره. إذا أصابه إصابة خفيفة ، ولم يبلغ في إيلامه
الغاية. فكأنّ النّفحة هاهنا قدر يسير من العذاب ، يدلّ واقعه على عظيم متوقعه ،
وشاهده على فظيع غائبه.
وقوله سبحانه : (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ
عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) (٦٥) وهذه
استعارة. والمراد بها وصف ما لحقهم من الخضوع والاستكانة والإطراق ، عند لزوم
الحجّة ، فكأنّهم شبّهوا بالمتردّي على رأسه ، تدويخا بنصوع البيان ، وإبلاسا عند
وضوح البرهان. وقوله سبحانه : (وَنَجَّيْناهُ مِنَ
الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ
فاسِقِينَ) (٧٤). ولفظ القرية
هاهنا مستعار. والمراد به ، الجماعة التي كانت تعمل الخبائث ، من أهل القرية. وكشف
سبحانه عن ذلك بقوله : (إِنَّهُمْ كانُوا
قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ) (٧٤). وفي هذا
الكلام خبر عجيب ، لأنه تعالى جعل ما يلي لفظ القرية مؤنّثا ، إذ كانت مؤنّثة ،
فقال : (الَّتِي كانَتْ
تَعْمَلُ الْخَبائِثَ). وجعل بقية الكلام مذكّرا ، فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ
فاسِقِينَ) (٧٤) لأنّ المراد
به مذكّر ، فصار الكلام في الآية على قسمين ، قسم عائد إلى اللفظ ، وقسم عائد على
المعنى ، وهذا من عجائب القرآن.
وقوله سبحانه : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ
يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) (٧٩) ويسبّح هاهنا
استعارة. وقد مضى من الكلام في «الرّعد» على قوله تعالى : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) [الرّعد : ١٣] ما
هو بعينه تأويل تسبيح
__________________