سبحانه : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) وليس المراد أن هناك شيئا يلقى عليه في الحقيقة ، ولكنّ المعنى أنني جعلتك بحيث لا يراك أحد إلّا أحبّك ، ومال قلبه نحوك ، حتّى أحبّك فرعون وامرأته ، فتبنّياك وربّياك ، واسترضعا لك ، وكفلاك. وهذا كقول القائل : على وجه فلان قبول. وليس هناك على الحقيقة شيء يومأ إليه. إلا أن كل ناظر ينظر إليه يقبله قلبه وتسرّ به نفسه.
والاستعارة الأخرى ، قوله سبحانه : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (٣٩) والمراد بذلك ، والله أعلم ، أن تتربّى بحيث أرعاك وأراك. وليس أنّ هاهنا شيئا يغيب عن رؤية الله سبحانه ، ولكنّ هذا الكلام يفيد الاختصاص بشدة الرعاية ، وفرط الحفظ والكلاءة ؛ ولمّا كان الحافظ للشيء في الأغلب يديم مراعاته بعينه ، جاء تعالى باسم العين بدلا من ذكر الحفظ والحراسة ، على طريق المجاز والاستعارة.
ويقول العربي لغيره : أنت مني بمرأى ومسمع. يريد بذلك أنه متوفّر عليه برعايته ، ومنصرف إليه بمراعاته.
وقوله سبحانه : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) (٤١) وهذه استعارة. والمراد بها : واصطنعتك لتبلّغ رسالتي ، وتنصرف على إرادتي ومحبّتي ؛ وقال بعضهم : معنى لنفسي هاهنا ، أي لمحبّتي ؛ وإنّما جاز أن يوقع النفس موقع المحبة ، لأنّ المحبّة أخصّ شيء بالنفس ، فحسن أن تسمّى بالنفس. وقد يجوز أن يكون ذلك على معنى قول القائل : اتّخذت هذا الغلام لنفسي ، أي جعلته خاصّا لخدمتي ، لا يشاركني في استخدامه أحد غيري. وسواء قال اتّخذته ، أو اتّخذته لنفسي ، في فائدة الاختصاص ، ليس أن هناك شيئا يتعلّق بالنفس على الحقيقة.
وقوله سبحانه : (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٥٠) وهذه استعارة على أحد التأويلين. والمراد بها ، والله أعلم ، أنه أكمل لكلّ شيء صورته ، وأتقن خلقته ، وهذا يعمّ كلّ مصوّر من حيوان وجماد وغير ذلك. فلا معنى لحمل من حمله على الحيوان فقط.
وعندي في ذلك وجه آخر ، وإن كان الكلام يخرج به من باب الاستعارة ؛ وهو أن يكون في الكلام تقدير وتأخير. فكأنه سبحانه قال : ربّنا الذي أعطى خلقه كلّ شيء ، ثمّ هداهم إلى