لقد علم الأيقاظ
أخفية الكرى
|
|
تزجّجها من حالك
واكتحالها
|
ومعناه لقد علم
الأيقاظ عيونا. فجعل العين للنوم في أنها مشتملة عليه ، كالخفاء للقربة في أنه
مشتمل عليها.
وقول الشاعر : «أخفية
الكرى» من الاستعارات العجيبة ، والبدائع الغريبة. وقوله : «تزجّجها من حالك
واكتحالها» ، يعود على العيون ، كأنه قال تزجّج العيون واكتحالها من سواد الليل.
وهذا لا يكون إلّا مع السهر وامتناع النوم ، لأن العيون حينئذ بانفتاحها تكون
كالمباشرة لسواد الظلماء ، فيكون كالكحل لها.
والتزجّج : اسوداد
العينين من الكحل. يقال زجّجت المرأة عينها وحاجبها. إذا سودتهما بالإثمد.
وعلى التأويل
الاخر يبعد الكلام عن طريق الاستعارة ، وهو أن يكون أكاد هاهنا بمعنى أريد ، كما
قلنا فيما مضى . ومن الشواهد على ذلك قول الشاعر :
أمنخرم شعبان لم
تقض حاجة
|
|
من الحاج كنّا
في الأصمّ نكيدها
|
أي كنا نريدها في
رجب ، ويكون (أُخْفِيها) على موضوعه ، من غير أن يعكس عن وجهه. ويكون المعنى : إن
الساعة آتية أريد أستر وقت مجيئها ، لما في ذلك من المصلحة. لأنه إذا كان المراد
بإقامتها المجازاة على الأفعال ، والمؤاخذة بالأعمال ، كانت الحكمة في إخفاء وقتها
ليكون الخلق في كلّ حين وزمان على حذر من مجيئها ، ووجل من بغتتها ، فيستعدّوا قبل
حلولها ، ويمهّدوا قبل نزولها.
ويقوّي ذلك قوله
سبحانه : (لِتُجْزى كُلُّ
نَفْسٍ بِما تَسْعى) (١٥).
__________________