النية مهما كانت نحلته وملته أقوى معاني اليقين بصدقها ، ويزيل منها أي معنى من معاني الشك والارتياب في عمق إيمان الرسول عليهالسلام بصحتها ، وفي استغراقه فيها استغراقا تاما لا يمكن أن ينبعث إلا من أقوى الإيمان واليقين والصدق الصميم.
ـ ٣ ـ
الدعوة القرآنية :
واحتوى دعوة الناس كافة إلى عبادة الله وحده ، وعدم الخضوع لأي قوة من قوى الكون غيره وتنزيهه عن كل نقص وشائبة ، وإلى جماع مكارم الأخلاق والفضائل ، وأسباب سعادة الدارين والتصديق بنبوة أنبياء الله والكتب المنزلة عليهم وتقرير اتحاد المتبع والوجهة بين ما دعا إليه ودعوا إليه من غير تفريق بينهم ، وتقرير كون هذه الدعوة التي احتواها هي الدين الحق الذي ارتضاه الله للناس جميعا منذ بعث الله رسوله محمدا عليهالسلام بالهدى ودين الحق الذي فيه إظهاره على الدين كله ، يقيم البشر في ظله دعائم مجتمعهم ، ويسيرون في مختلف شؤونهم وفق تعاليمه ومبادئه وتلقيناته القائمة على أسس الحق والعدل والمساواة والإحسان والتعاون ، ورفع الإصر والأغلال ، وحل الطيبات وتحريم الخبائث والفواحش والمنكرات ، وتوطيد السلم العام بين الناس كافة إخوانا متحابين ، لا يظلم بعضهم بعضا ، ولا يبغي بعضهم على بعض ، ولا تنبذ فيه طائفة ، ولا تحرم فيه فئة ولا تتعالى فيه طبقة على طبقة ، مع إيجاب التناصر على الباغي حتى يفيء إلى حكم الله والحق ، ومع الدعوة إلى التمرد على كل ضارّ والإقبال على كل صالح بقطع النظر عن قدمه وجدته ، ومع تقرير كون الله إنما يريد للناس اليسر ولا يريد بهم العسر ولم يجعل عليهم في الدين حرجا ، وبأسلوب قضي له بالخلود من حيث البرهنة على صدق الدعوة وأهدافها بتوجيه الخطاب للعقول والقلوب ، وإدارته حسب أفهام الناس ومداركهم في هذا النطاق ودون أن تجعل المعجزة الخارقة دعامة أساسية في ذلك لأن مثل هذه الدعوة في غنى عن المعجزة