وهناك أحاديث كثيرة مأثورة عن النبي صلىاللهعليهوسلم متساوقة مع كل ذلك أيضا شأنها مع كل المبادئ والتلقينات القرآنية سنوردها في مناسبات آتية أكثر ملاءمة.
تعليق على كلمة الصلاة
وبمناسبة ورود كلمة «صلى» لأول مرة نقول : إن الصلاة تعني في اللغة الدعاء والبركة وقد جاءت بهذين المعنيين في القرآن كما يفهم من آيات سورة الأحزاب هذه : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، و (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥٦) ، ومن آية سورة التوبة هذه : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ) ، وتعني كذلك الشكل الخاص الذي يتعبد المتعبد به لمعبود ، كما هي في هذه السورة وغيرها ، والمعنيان متقاربان ولعلّ الأصل هو الأول ، ولا سيما والعبادة هي الاتجاه للمعبود ودعاؤه.
وإطلاق كلمة الصلاة على الشكل الخاص من العبادة مطلقا ليس إسلاميا ، بل كان كذلك قبل البعثة كما تدل عليه آية الأنفال هذه : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) (١) [٣٥] ، حيث عبرت عما كان يؤديه المشركون من الطقوس الدينية عند الكعبة بكلمة الصلاة.
ومع أن الروايات تذكر (٢) أن شكل الصلاة الإسلامية المعروف هو الشكل الذي أدّى به النبي صلىاللهعليهوسلم صلاته الأولى بتعليم الملك ، فإن ورود تعابير الركوع والسجود والقيام في القرآن وتكليف المشركين بالسجود تارة ، والركوع أخرى كما جاء في آية سورة البقرة هذه : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
__________________
(١) المكاء هو التصفير ، والتصدية هي التصفيق على ما جاء في تفسير الزمخشري «الكشاف».
(٢) ابن هشام ج ١ ص ٢٢٩ وما بعدها ، و «السيرة الحلبية» ج ١ ص ٢٦٣ وما بعدها.