احتجّ القائل بكونه أمرا بالشيء : بأنّ ذلك هو المفهوم منه بحسب العرف.
ألا ترى أنّه لو قال الملك لوزيره : «مر فلانا بكذا» لم يفهم منه عرفا إلّا كون السلطان آمرا إيّاه بذلك الشيء.
واجيب عنه : بالمنع من فهم العرف مطلقا ، وفهمه ذلك في المثال المفروض بقرينة المقام لكون الوزير مبلّغا لا أصيلا ، ولا كلام فيه مع قيام القرينة ودلالة خصوص المقام عليه.
هذا تمام ما ذكروه من أدلّة الطرفين مع بيان ما يرد عليه.
وتوضيح الكلام في المقام أنّ البحث هنا في أمرين :
أحدهما : أنّ الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء وإن لم يتحقّق أمر من المأمور بالأمر أو لا؟ وهذا هو الظاهر من العنوان.
والثاني : أنّه لو أمر المأمور بذلك الشيء هل يكون أمرا من قبل الآمر بالأمر سواء كان أمرا في الحقيقة من قبل المأمور أو لا؟ أو أنّه لا يكون أمرا إلّا من المأمور.
ثمّ نقول : إنّ الآمر بالأمر إمّا أن يأمر به مطلقا أو يأمره بالأمر من قبل نفسه أو من قبل الآمر ، وعلى كلّ حال فالمأمور بالأمر إمّا أن يأمره من قبل الآمر أو من قبل نفسه أو من قبلهما معا كمطلق الأمر ، أو لا يلاحظ شيئا من الوجوه المذكورة فإنّ أمره بالأمر من قبل الآمر وتحقّق الأمر من المأمور ، فلا شكّ في كونه أمرا من الآمر ، اذ لا مانع من التوكيل في الأمر فإن أوقع الأمر على الوجه المذكور لم يكن أمرا من الآمر بالفعل ، بل إنّما يكون في الحقيقة أمرا من الآمر بالأمر ، وهل يكون مجرّد أمره بالأمر أمرا وإن لم يتحقّق الأمر من الآخر؟ وجهان :
أحدهما : أن يكون ذلك الأمر أمرا للآخر بذلك الفعل فيجب عليه الفعل إذا بلغه ذلك وان لم يأمره الآخر ، وكان هذا هو الظاهر في العرف ، لدلالة ذلك على كون الفعل محبوبا له ، مريدا لوقوعه منه ، وهو معنى الأمر. ولذا لو بلغه ذلك ولم يفعل عدّ عاصيا في العرف وذمّه العقلاء وصحّ له عقوبته وإن لم يأمره الآخر إذا كان ممّن يجب عليه إطاعة الآمر.