بما دلّ عليه ، على أنّ المنفيّ هو الصلاة الصحيحة والنكاح الصحيح ـ مثلا ـ فالمستثنى هو الصحيح منهما الواقع بالطهور والوليّ. ولو فرض إرادة الأعمّ فالمستثنى أيضا هو الماهيّة الواقعة معهما مطلقا ، فأين موضع الدلالة على استلزام الطهور والوليّ لحصولهما كما توهّم؟ والأمر في سائر الأمثلة المذكورة أوضح.
وأمّا الثاني فهو اجتهاد في مقابلة النصّ المعلوم من أهل اللغة مع وضوح فساده ، إذ لا شكّ في أنّ مدلول الألفاظ هو الامور الخارجيّة ، ولو قلنا بوضعها للصور الذهنيّة فباعتبار انطباقها عليها. وكيف كان فلا شبهة في تعلّق الاستثناء بمدلول الجملة ، فإذا كان هو النسبة الخارجيّة دلّ على خروج المستثنى عنها ، كما لا يخفى. وقد تبنى المسألة على أنّ الإسناد اللفظي في الجملة الاستثنائيّة هل يتحقّق بعد الإخراج فيحكم على ما عدا المستثنى بالنفي أو الإثبات ، سواء قيل بكون المجموع من المستثنى والمستثنى منه ، والأداة اسما مركّبا بإزاء الباقي ، أو بكونه قرينة على إرادته من اللفظ العامّ كما زعمه كثير منهم ، أو يتحقّق قبله فيكون العامّ مستعملا في معناه الحقيقي ثمّ اخرج عنه المستثنى واسند الحكم في المغيّا إلى الباقي؟
فعلى الأوّل لا دلالة فيها على حكم المستثنى ، لاتّحاد الحكم والإسناد فيها ، فقولك: «أكرم العلماء إلّا الفسّاق» يجري مجرى قولك : أكرم من عدا الفساق منهم ، فكأنّه قال: أكرم العدول منهم ، ونحوه قولك : «لا تكرم إلّا العلماء» في معنى قولك : لا تكرم الجهّال ، فيكون الاستثناء إخراجا عن الموضوع أوّلا ، ثمّ الحكم عليه ثانيا ، فلا يكون إخراجا عن الحكم ، وإنّما يرجع المفهوم في ذلك إلى الوصف.
ألا ترى أنّ المفهوم في مثل قولك : «أكرم غير زيد» من مفهوم الوصف ، وليس مفاد الاستثناء على الوجه المذكور إلّا ذلك ، بخلاف الوجه الثاني. وضعفه ظاهر ، إذ ليس اختلافهم في ذلك خلافا في مدلول الأداة ، إنّما هو كلام ذكروه توجيها لدفع التناقض المتوهّم في الجملة المذكورة ، كما يأتي القول فيه إن شاء الله تعالى والدلالة ثابتة على الوجهين ، بل ولو جيء به وصفا كقولك : «من عدا زيد يجب