مراد المصنّف رحمهالله بذلك ـ على ما فهمه جماعة ـ أنّ وجوب المقدّمة من جهة كونه توصّليّا لا ينافي الحرمة ، فيمكن اجتماعهما معا في أمر واحد ، حيث إنّ المقصود من وجوبها التوصّل إلى الواجب ؛ وهو حاصل بالحرام كحصوله بغيره ، بخلاف غيرها من الواجبات ، فيكون الحكم بامتناع اجتماع الوجوب والحرمة في أمر واحد شخصيّ من جهتين مختصّا عنده بغير الصورة المفروضة.
وأنت خبير بوهنه ، إذ ما ذكر من الوجه في امتناع الاجتماع في غير المقدّمة جار بعينه بالنسبة إليها أيضا ، فإنّ تضادّ الأحكام كما يمنع من الاجتماع في غيرها كذا بالنسبة إليها وكذا الحال في التكليف بالمحال. ومن البيّن امتناع التخصيص في القواعد العقليّة.
نعم ، يمكن أن يقال بجواز اجتماع الوجوب النفسي والحرمة الغيريّة ؛ نظرا إلى انتفاء المضادّة بينهما ، كما سيجيء بيانه إن شاء الله.
وما يتراءى من سقوط الواجب عند الإتيان بها على الوجه المحرّم لا يقتضي كون المأتيّ بها واجبا ؛ لإمكان سقوط الواجب بالحرام من غير أن يتّصف المحرّم بالوجوب. كيف! ولو كان سقوط الواجب بالحرام دليلا على اجتماع الوجوب والتحريم لجرى ذلك في غير المقدّمة من الواجبات النفسيّة من غير العبادات ، كما لو أدّى دينه على وجه محرّم ، أو أتى بالحقّ الواجب عليه من المضاجعة في مكان أو فراش مغصوب ، ونحو ذلك ، فلا وجه لتخصيص ذلك بالمقدّمة كما يظهر من العبارة.
والتحقيق في المقام ـ كما مرّت الإشارة إليه ـ هو الفرق بين إسقاط الواجب وأدائه والامتثال بفعله ، فالأوّل أعمّ مطلقا من الثاني ، كما أنّ الثاني أعمّ مطلقا من الثالث ، فإنّ امتثال الأمر هو أداء المأمور به من جهة أمر الآمر به ، ولا يتحقّق ذلك بفعل الحرام قطعا ، إذ لا يمكن تعلّق الأمر به أصلا ، كما سيجيء في محلّه إن شاء الله.
وأداء الواجب إنّما يكون بالإتيان بالفعل المأمور به ، سواء أتى به من جهة