ودعوى ظهور العبارة حينئذ في إرادة الضدّ العامّ لبعد إطلاق النقيض على الأضداد الخاصّة الوجوديّة غير مسموعة ، ولو كان كذلك لجرى ذلك في الصورتين ، فلا وجه للترديد على الثاني دون الأوّل بل ينبغي ذكره في الوجهين أو تركه فيهما.
قوله : (إنّ الأمر الإيجابي طلب فعل ... الخ).
يمكن أن يقال : إنّ الدليل المذكور هو الدليل الأوّل بعينه ؛ غاية الأمر أنّه اخذ هنا زيادات لم تؤخذ في الأوّل ، ومناط الاستدلال في المقامين واحد ، فقد اعتبر هناك كون مدلول الأمر طلب الفعل مع المنع من النقيض الّذي هو بمعنى حرمة النقيض وهنا قد جعل مفاد الأمر طلب الفعل على وجه يذمّ على تركه ومفاد ذلك هو حرمة الترك أيضا ، وما ذكره من الوجه في إرجاع الترك إلى الفعل جار في الأوّل أيضا إلّا أنّه لم يلتفت إليه هناك.
نعم قد صرّح في الأوّل بكون المنع من النقيض جزءا للوجوب ومدلولا تضمّنيّا له ، وهنا لم يصرّح بذلك بل ظاهر عبارته حامل لكون ذلك مدلولا التزاميا له لاحتمال أن يؤخذ الوجوب طلبا خاصّا من لوازمه استحقاق الذمّ على تركه ، وحينئذ يمكن الجمع بينه وبين الدليل الأوّل ليتوافق مؤدّاهما بأنّ المأخوذ في الأوّل كون حرمة النقيض جزءا من مدلول الأمر والمأخوذ في الثاني على التقدير المذكور كون استحقاق الذمّ لازما له فلا منافاة لوضوح أنّ استحقاق الذمّ من لوازم التحريم ، فاستند هناك إلى كون تحريم النقيض جزءا من مفهوم الوجوب الّذي هو مدلول الأمر وهنا إلى ما يلزمه من استحقاق الذمّ على الترك وأكمل ذلك بإرجاع الترك إلى الفعل حسب ما قرّرناه.
قوله : (ولا نزاع لنا في النهي عنه).
قد يورد عليه : بأنّه يرد عليه عين ما أورده على المجيب عن الدليل الأوّل فإنّه ذكر أيضا خروج ذلك عن موضع النزاع فأورد عليه بعدم صحّة الإطلاق المذكور وأنّ التحقيق الترديد بين الاحتمالين ، ويدفعه أنّه لمّا كان تقرير هذا