أحدهما من له صحّة ما من العقل والتمييز ، حيث يميّز تمييزا ما بين الحسن والقبيح ، ويعلم الخير من الشرّ ، ويفرّق بين المدح والذمّ ، ويدرك الثواب والعقاب ، فهؤلاء أصحاب التكاليف العقليّة والشرعيّة وما يترتّب عليها من المدائح والمذامّ والمثوبات والعقوبات ، وإن اختلفت درجاتهم في العواقب حسب اختلافهم في المراتب.
وثانيهما من لا يفرّق بين الخير والشرّ ، ولا يعرف البرّ من الهرّ ، كالأطفال والمجانين والبله ، فهم مثل سائر أنواع الحيوان إن فعلوا خيرا فباتّفاق أو تأديب ، وإن انتهوا من شرّ فببخت أو ترهيب ، ليس لهم همّة إلّا ما استدعته قواهم الحيوانيّة ، ولا وجهة إلّا ما اقتضته طبائعهم الجسمانيّة من المآكل والمشارب والملاهي والملاعب ، فقد سقط التكليف عن هؤلاء القوم ، ولا ينبغي لهم مدح ولا لوم وهم يسمّون بالمستضعفين.
فأمّا المكلّفون ، فينقسمون أوّلا أزواجا ثلاثة : السّابقون ، وأصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال ، لأنّهم إن آمنوا بالله وحده لا شريك له وبأنبيائه وخلفائه عليهالسلام ، ومع هذا هم من أهل العقول الشريفة والأفهام المنيفة ، وقد حصّلوا طرفا من العلوم الحقّة وتحصّلوا لطائفة من المعارف اليقينيّة ، كلّ على قدر ما في إمكانه ويليق بشأنه ، ومع هذا قد تجمّلوا بمكارم الأخلاق الجميلة ، وتحلّوا بحليّ الأفعال النّبيلة ، وتزيّنوا بزيّ التّقوى من المعاصي والخصال الرّذيلة ، بحيث قد خلصوا من آثار الطبيعة بالكليّة ، فأولئك المقرّبون السّابقون إلى أعلى درجات الجنّة ، المكرّمون من الله تعالى بالرّوح والرّضوان.
وإن آمنوا وأحسنوا وتجمّلوا بالأعمال الصّالحة الفاضلة ، وتخلّقوا بمحاسن الأخلاق العادلة المتوسّطة بين الأطراف ، اللائقة بجمال الأشراف ، إلّا أنّهم لم يبلغوا في العقل والعمل درجات الأوّلين ، فأولئك أصحاب اليمين.
وإن كفروا وأنكروا وجحدوا وألحدوا وأشربوا في قلوبهم حبّ الدنيا واتخذوا إلههم متابعة الهوى ، وركبوا في مهوى الجهالة ، وتاهوا في بيداء الضّلالة ، وأخلدوا في مصارع الدّناءة والسّفال ، فأولئك أصحاب الشّمال.
فهؤلاء أصول الأزواج. ثمّ يمتزج هذه بعضها مع بعض ، فيحصل أزواج أخرى. وذلك أنّ الذين آمنوا وأصلحوا قد يكون منهم عدول في العلم والعمل عن حدود الأوساط ، إمّا