معيّن مشخّص ، ليستا مراتب وقوى مطلقة حاصلة في ضمن بدن ما أو بدن مطلق. وعلى هذا أيضا يلزم أن لا تكون تلك النفس في حال البعث عين الأولى ، بل غيرها ، لعدم حصول تلك المراتب والقوى الخاصّة التي لها مدخل في تميّز تلك النفس وتحصّلها وتقوّمها وتخصّصها وتشخّصها لها حينئذ. وعلى التّقديرين فيلزم أن يكون وقوع الثّواب والعقاب على تلك النفس المتعلّقة ببدن غير الأوّل ظلما. تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.
ومنها ، أن يقال : إذا كانت النفس الإنسانيّة تفعل الأفاعيل المختلفة الجزئيّة بتوسّط القوى والمشاعر والحواسّ المختلفة البدنيّة التي تميّزها وتعيّنها بمواد خاصّة بدنيّة وآلات مخصوصة هي أجزاء البدن المخصوص المعيّن ولها دخل في تشخّص النفس الإنسانيّة أيضا ، وكانت لتلك القوى أيضا حظّ ونصيب في تلك الأفعال كما للنفس بتوسّطها كما عرفت ، ولا شكّ أنّ في الآخرة سعادة وشقاوة حسّيّتين كالعقليّتين ، ولا شكّ أيضا أنّ الحكمة المتعالية تقتضي أن تكون لتلك الحواسّ والقوى حظّ في الثّواب والعقاب الحسّيّين اللذين هما بإزاء تلك الأفعال الجزئيّة التي لتلك القوى حظّ فيها ، كما أنّ الحكمة تقتضي أن يكون للنفس بتوسّط تلك القوى حظّ في إدراك الثواب والعقاب الحسّيّين ، فإذا أعيدت تلك النفس في القيامة في ضمن بدن آخر غير الأوّل ، لم تكن تلك القوى والحواسّ الحاصلة للنفس في ضمن البدن الثاني المغاير عين الأولى لكونها متعيّنة ومتخصّصة بمواد بدنيّة وآلات بدنيّة هي أجزاء البدن الأوّل المخصوص بخصوصه ، والمفروض عدمها ، بل هي حواسّ وقوى أخرى ، فحينئذ يلزم مضافا إلى لزوم أن لا تكون تلك النفس المعادة بعينها النفس المبتداة ـ حيث عرفت أنّ تميّزها وتخصّصها وتعيّنها إنّما هو بتلك القوى البدنيّة الأولى التي هي منتفية عنها في ضمن البدن الثّاني ـ أن يكون ورود الثواب والعقاب عليها حينئذ منافيا للحكمة ، بل ظلما كما ذكرنا. وأن يكون إدراك اللذّات والآلام الحسّيّة بتلك القوى والحواسّ الأخر منافيا للحكمة أيضا ، إذ ما كان فاعلا لتلك الأفعال التي هي منشأ للثّواب والعقاب ، أي القوى والحواسّ الأولى لم يقع عليه الثواب والعقاب ، وما لم يفعلها أي الحواسّ والقوى الأخرى وقع عليه الثواب والعقاب.