حيث إنّ سبب التعطّل سواء كان هو نوعا من قطع العلاقة مع البدن الذي يحصل للنفس حالة النوم ، حيث إنّها في تلك الحالة يصير علاقتها مع البدن قليلة ومنقطعة في الجملة ، أو كان استيلاء رطوبة على أعصاب الدماغ التي هي مبادئ الحواسّ كما قالوا ، أو أمر آخر غير ذلك ، فهذا السبب كما أنّه يجري في تعطّل الحواسّ الظاهرة يجري في تعطّل الباطنة منها أيضا. ولا دليل على اختصاصه بالظاهرة منها ، بل الظاهر جريانه في الباطنة وكونه سببا لتعطّلها أيضا. وأيضا إنّ الصور الخياليّة يجب أن تكون منتزعة من محسوس خارجيّ ، تبقى تلك الصورة في خزانة الخيال ، ونحن قد نرى في المنام صورة لم نر ذا صورتها قطّ ، وإنّ القوة المتخيّلة وإن كانت قد تخترع صورا ، لا تكون ذوات صورها موجودة ، ولم تجيء تلك الصور إليها من جهة الحواسّ الظاهر والخيال ، إلّا أنّ أكثر ما تخترعه هي الصورة الكاذبة التي لا حقيقة لها ، وإن كان يمكن نادرا أن تخترع بمحض تعمّلها صورة توافق ما في الخارج من بعض الوجوه ، وأندر منه الموافقة من كلّ الوجوه ، والحال إنّا كثيرا ما نرى في المنام رؤيا صادقة ، بل نرى صورة لم نر ذا صورتها قطّ ، ثمّ يتّفق أن نرى بعد ذلك ذا صورتها أيضا موافقا لما رأيناه في المنام من كلّ الوجوه ، ومستبعد جدّا أن تكون تلك الصورة من مخترعات المتخيّلة ، اتّفقت موافقتها من كلّ الوجوه ، وعلى هذا فمن قال بأنّها خيال منفصل ، إن أراد أنّها صورة مشابهة للصورة الخياليّة منفصلة عن المادّة الجسمانيّة فله وجه ، وإن أراد أنّها نفس الصورة الخياليّة المنفصلة عن المواد ، فعليه البيان ، بل فيه نظر لا يخفى.
وأمّا أن تكون الصورة المشاهدة في المنام صورة مرتسمة في جسم فلكيّ أو عنصريّ أو في النفوس المنطبعة الفلكيّة مثلا يشاهدها النفس فيه بسبب ارتباطها به نوعا من الارتباط مشاهدة عقليّة كأنّها مشاهدة حسّيّة ، فذلك أيضا ممّا لا يكاد يتمّ ، لأنّه حينئذ كان ينبغي أن تشاهدها النفس في ذلك المحلّ المنطبع هي فيه مشاهدة الحالّ في محلّه ، والحال في الصور المرئيّة في المنام بخلاف ذلك ، حيث إنّا نراها موجودة بوجود منفرد غير متعلّق بشيء آخر من جرم فلكيّ أو جسم عنصريّ أو نفس منطبعة فلكيّة.
وحيث بطلت تلك الاحتمالات فبقي أن تكون الصورة المرئيّة في المنام موجودة