فيكون مع افتراقها من غير أن تكون بصفة واحدة منسوبة إلى شيء واحد ، فلم لا يكون كذلك الآن ، ويكون (١) كلّها منسوبة إلى جسم أو جسمانيّ ، فنقول : لأنّ ، هذا الذي ليس بجسم يجوز أن يكون منبع القوى يفيض (٢) عنها بعضها في الآلة ، وبعضها يختصّ بذاته ، وكلّها يؤدي إليه نوعا من الأداء ، واللواتي تكون في الآلة تجتمع في مبدأ يجمعها في الآلة ذلك المبدأ ، وهو فائض عن الغني عن الآلة ، كما تبيّن حاله (٣) في حلّ الشبهة. وأمّا الجسم فلا يمكن أن يكون (٤) هذه القوى كلّها فائضة منه ، فإنّ نسبة القوى إلى الجسم ليس على سبيل الفيضان ، بل على سبيل القبول ، والفيضان يجوز أن يكون على سبيل مفارقة للفيض عن المفيض ، والقبول لا يجوز أن يكون على تلك السّبيل (٥)» ـ انتهى ملخّص ما ذكره دليلا على ما اختاره ومحصّله ـ.
وأقول : لمّا كان مبنى هذا المذهب المختار عنده على أنّ النّفس المدبّرة للبدن إنّما هي ذات واحدة بالعدد ، وأنّ اختلاف أفعالها إنّما هو لاختلاف قواها ، وأنّ تلك القوى فائضة عن تلك الذات الواحدة ، بيّن الثاني بقوله أوّلا : «قد بان ممّا ذكرناه أنّ الأفعال المتخالفة هي لقوى متخالفة» وبيّن الأوّل والثالث بما ذكره بعد ذلك ، فإنّه متضمّن لكون النّفس ذاتا واحدة رباطا لتلك القوى وفائضا عنه تلك القوى ، وكأنّ قوله «قد بان ممّا ذكرناه في الفصول المتقدّمة» كالفصل الذي عقده لبيان أنّ اختلاف أفاعيل النّفس لاختلاف قواها. ويخدشه أنّه في ذلك الفصل أيضا وإن ادّعى ذلك ، لكنّا لم نظفر فيه بذكر ما يمكن أن يكون دليلا على أنّ اختلاف الأفاعيل مطلقا ـ كما هو ظاهر إطلاق كلامه هنا ـ أو أنّ اختلاف أفاعيل النّفس ـ كما هو مقصوده هنا وفيما تقدّم ـ إنّما هو لقوى متخالفة. بل لا يظهر منه فيه ولا في شيء من الفصول المتقدّمة على ما تصفّحنا كلامه ما يدلّ على ما هو مطلوبه هنا ، وهو أنّه لا يمكن أن تكون النّفس التي هي الذّات الواحدة تفعل بنفسها أفعالا مختلفة باختلاف الآلات من غير توسّط القوى في ذلك ، كما هو مبنى المذهب الأوّل من المذاهب التي نقلها ، حيث إنّه في كلّ موضع ذكر أنّ اختلاف أفعال
__________________
(١) في المصدر : وتكون كلّها ...
(٢) فيفيض ...
(٣) حاله بعد ...
(٤) تكون ...
(٥) تلك السبيل.