بفعل ، وأنّها إنّما تفعل ما تفعله من الامور المذكورة بتوسّط هذه القوى».
ثمّ اختار هذا المذهب وقال (١) : «وليس بصحيح (٤) من هذه المذاهب إلّا هذا المذهب» ، ثمّ صحّحه بأن قال (١) : «قد بان ممّا ذكرناه أنّ الأفعال المتخالفة هي لقوى (٥) متخالفة ، وأنّ كلّ قوّة من حيث هي ، فإنّما هي كذلك من حيث يصدر عنها الفعل الأوّل الذي لها ، فتكون القوّة الغضبيّة لا تنفعل من اللذّات ، ولا الشهوانيّة من المؤذيات ، ولا يكون (٦) القوّة المدركة متأثّرة ممّا تتأثّر هاتان (٧) عنه ، ولا شيء من هاتين من حيث هما قابل للصّور المدركة متصوّر لها. فإذا كان هذا متقرّرا ، فنقول : إنّه يجب أن يكون لهذه القوى رباط يجمع (٨) كلّها ، فتجتمع إليه وتكون نسبته إلى هذه القوى نسبة الحسّ المشترك إلى الحواسّ التي هي الرواضع ، لأنّا (٩) نعلم يقينا أنّ هذه القوى يشغل بعضها بعضا ، ويستعمل بعضها بعضا ، وقد عرفت هذا فيما سلف ، ولو لم يكن رباط يستعمل هذه فيشتغل ببعضها عن بعض ، فلا يستعمل ذلك (١٠) ولا يدبّره ، لما كان بعضها يمنع بعضا عن فعله بوجه من الوجوه ولا ينصرف عنه ، لأنّ فعل قوّة من القوى إذا لم يكن له اتّصال بقوّة اخرى ، لا تمنع (١١) القوّة الاخرى عن فعلها إذا لم تكن الآلة مشتركة ، ولا المحلّ مشتركا ، ولا أمر يجمعها (١٢) غير ذلك مشتركا. ونحن نرى أنّ الإحساس يثير الشهوة» إلى آخر ما ذكره في بيان وجوب رباط لهذه القوى ، وذكرنا محصّله في بيان وحدة المدبّر للبدن ، وكون ذلك المدبّر الواحد ما به الارتباط بين النّفوس الأخر.
ثمّ ذكر أنّ هذا الشيء أي الذي هو مجمع القوى ، لا يجوز أن يكون جسما ، وبيّن ذلك بالوجوه الثلاثة التى ذكرنا محصّلها فيما سبق ، إلّا ، أنّه ذكر في ذيل الوجه الثاني من تلك الوجوه كلاما بهذه العبارة (٣) : «فإن تشكّك مشكّك ، فقيل : إنّه إن جاز أن يكون (١٣) هذه القوى لشيء واحد مع أنّها لا تجتمع معا فيه ، إذ بعضها لا تحلّ (١٤) الأجسام ، وبعضها تحلّها (١٥) ،
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٢٢٣ ، الفصل السابع من المقالة الاولى من الفنّ السادس.
(٤) في المصدر : وليس يصحّ منها الّا ...
(٥) بقوى متخالفة ...
(٦) ولا تكون ...
(٧) تتأثّر عنه هاتان ...
(٨) يجمعها كلّها ...
(٩) فإنّا نعلم ...
(١٠) ذلك البعض ولا ...
(١١) لا يمنع ...
(١٢) يجمعهما ...
(١٣) أن تكون ...
(١٤) لا يحلّ ...
(١٥) يحلّها ، فتكون.
(٣) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٢٢٤ ، الفصل السابع من المقالة الخامسة من الفنّ السادس.