الإنسانيّة ، واندفع ما يوهم خلافه ، واتّضح الدليل على جوهريّتها أيضا ، كما هو أحد المقاصد في الباب ، حيث إنّ الموجود الممكن المجرّد عن المادّة في ذاته ليس إلّا جوهرا موجودا لا في موضوع ، كما هو معنى الجوهر على ما عرّفوه ، فحريّ بنا أن نصرف عنان العناية إلى صوب المقصود الآخر من مقاصد الباب ، أي في أنّ النّفس الإنسانيّة واحدة بالذّات مختلفة بحسب الأفعال وباعتبار المراتب والحالات ، وأنّ لها قوى متعدّدة يختلف أفاعيلها لاختلاف قواها.
في أنّ النّفس الإنسانيّة واحدة بالذّات مختلفة بالاعتبار
فنقول : قال الشيخ في «الشّفاء» : فصل في عدّ المذاهب الموروثة عن القدماء في أمر النّفس وأفعالها وأنّها واحدة أو كثيرة ، وتصحيح القول الحقّ فيها (١) : «إنّ المذاهب (٢) في ذات النّفس (٣) وأفعالها مختلفة ، فمنها قول من زعم : أنّ النّفس ذات واحدة ، وإنّما تفعل جميع الأفعال بنفسها باختلاف الآلات. ومن هؤلاء من زعم أنّ النّفس عالمة بذاتها ، تعلم كلّ شيء ، وإنّما تستعمل الحواسّ والآلات المقرّبة للمدركات منه (٤) بسبب أن تتنبّه (٥) لما في ذاتها. ومنهم من قال : إنّ ذلك على سبيل التذكّر لها ، فكأنّها عرض لها عنده إن نسيت.
ومن الفرقة الاولى من قال : إنّ النّفس ليست واحدة ، بل عدّة ، وأنّ النّفس التي في بدن واحد هو مجموع : نفس حسّاسة درّاكة ، ونفس غضبيّة ، ونفس شهوانيّة ، فمن هؤلاء من جعل النّفس الشّهوانيّة هي النّفس الغذائية ، وجعل موضعها القلب ، وجعل له شهوة الغذاء والتوليد جميعا. ومنهم من جعل التوليد لقوّة من هذا الجزء من أجزاء النّفس فائضة إلى الأنثيين في الذّكر والأنثى. ومنهم من جعل النّفس ذاتا واحدة ، وتفيض عنها هذه القوى ، ويختصّ (٦) كلّ قوّة بفعل ، وأنّها إنّما تفعل ما تفعله من الامور المذكرة بتوسّط هذه القوى.
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٢٢١ ـ ٢٢٣ ، الفصل السابع من المقالة الخامسة من الفنّ السادس.
(٢) في المصدر : المذاهب المشهورة ...
(٣) وفي أفعالها ...
(٤) منها ...
(٥) تتنبّه به ...
(٦) وتختصّ.