«الشفاء» وكلامه في «الإشارات» مخالفة من وجهين.
فيه رفع المخالفة بين كلامي الشيخ في الشفاء والإشارات
وأمّا رفع تلك المخالفة من الوجه الأوّل ، فيمكن بأن يقال : لعلّه في هذا القول من «الشّفاء» لو أراد بالصّور مقابل المعاني ، ولم يرد بها الصّورة الحاصلة من الشيء مطلقا ـ سواء كانت صورا بحسب الاصطلاح أو معان بحسبه ـ اكتفى ببيان بعض أفعال تلك القوّة ، وهو تركيب الصّور بعضها ببعض وتفصيلها عنها ، حيث إنّ المقصود وهو إثبات القوّة المتخيّلة يتمّ به ، وهذا لا ينافي أن يكون من شأنها أيضا تركيب المعاني بالمعاني وتفصيلها عنها ، وكذا تركيب الصّور بالمعاني وتفصيلها عنها ، ويدلّ عليه أنّه فيما بعد ذلك من كلامه ، قال هكذا : «وهذه القوّة المركّبة بين الصّورة والصّورة ، وبين الصّورة والمعنى ، وبين المعنى والمعنى ، كأنّها القوّة الوهميّة بالموضوع» ـ إلى آخره ـ فذكر جميع أفعالها.
وأمّا هو في «الإشارات» فبيّن جميع أفعالها المذكورة.
وأمّا رفع المخالفة من الوجه الثاني ، فيمكن بأن يقال : لعلّه في «الشّفاء» ـ كما ذكرنا ـ خصّص في أحد كلاميه الصّور بالصّور غير الموجودة إشعارا بأنّها الأعمّ الأغلب الأظهر ، وفي كلامه الآخر ، أطلق الصّور إشعارا ببيان الواقع.
وفي «الإشارات» إمّا أن أراد بالصّور المأخوذة من الحسّ الصّور المأخوذة من الحسّ مطلقا ، سواء كان حسّا ظاهرا ، أم حسّا باطنا ، فتشمل الصّور الواقعيّة الموجودة التي تدركها الحواسّ الظّاهرة ، فتدركها الحسّ المشترك ، وتجتمع في الخيال والصّور المخترعة ، غير الموجودة التي يخترعها الخيال ، ويصدق عليها أنّها مأخوذة من الخيال.
وإمّا أن أراد بالصّور المأخوذة من الحسّ الصّور التي من شأنها أن يدركها الحسّ الظّاهر ، ويمكن أن تؤخذ منه ، سواء كانت صورا واقعية أو غير واقعيّة ، بل مخترعة ، فإنّ هذه أيضا من شأنها أن تؤخذ من الحسّ الظّاهر على تقدير إمكان وجودها. وعلى