النّفس لاختلاف قواها ذكره على سبيل الادّعاء من غير إقامة دليل عليه ، كما يظهر على من تصفّح كلماته.
اللهم إلّا أن يكون أحال ذلك على الظهور ، وعلى أنّه بيّن بنفسه لا يحتاج إلى دليل ، فإنّه إذا كانت النّفس المدبّرة للبدن ذاتا واحدة كما بيّنه ، والحال أنّا نجد للإنسان أنّه يصدر عنه أفاعيل مختلفة ،
فإمّا أن تكون تلك الأفاعيل تصدر عن تلك الذّات الواحدة بنفسها من غير مدخليّة شيء ممّا يوجب الاختلاف سوى تلك الذّات الواحدة أو بنفسها ، باختلاف الآلات ، فهذان الاحتمالان باطلان ، كما بيّنّاه فيما سبق. وبالجملة فعلى هذين الاحتمالين ، لا يكون للقوى والحواسّ والمشاعر حظّ في تلك الأفاعيل أصلا ، وهو باطل بالضّرورة والوجدان ، حيث إنّا نجد أنّ لتلك القوى والحواسّ حظّا أيضا فيها ، وأنّ لكلّ قوّة فعلا يخصّها كما أشار هو إليه فى بيان نقل المذهب المختار عنده ، حيث قال : ويختصّ كلّ قوّة بفعل».
وإمّا أن تكون تلك الأفاعيل تصدر عن تلك القوى بنفسها من غير أن تصدر هي عن تلك الذّات الواحدة أيضا بتوسّط تلك القوى ، فعلى هذا يلزم أن لا يكون لتلك الذات الواحدة حظّ في تلك الأفعال أصلا ، وهذا أيضا باطل. لأنّه لو كان كذلك ، لما كانت تلك الذّات حاكمة بين تلك الأفعال ، كما هو معلوم بالضّرورة ، ولما كان غلط الحواسّ وتلك القوى يردّ على تلك الذّات ، كما بيّنّاه فيما سبق. حيث إنّ الحاكم بين الشيئين لا بدّ وأن يكون مدركا لهما ، وكذا الحاكم بالغلط يجب أن يكون مدركا له. والإدراك أيضا من جملة تلك الأفاعيل ، حيث إنّ تلك الأفاعيل إنّما هي الإدراكات والتحريكات.
وحيث انتفت هذه الاحتمالات ، ثبت أنّ لكلّ من تلك الذّات الواحدة وتلك القوى حظّا في تلك الأفعال ، أي أن تكون تلك الأفعال تصدر عن تلك القوى بنفسها ، وعن تلك الذّات بتوسّط تلك القوى ، لا بالعكس. حيث إنّه لا يعقل صدورها عن تلك الذّات بنفسها ، وعن تلك القوى بتوسّط تلك الذّات ، فإنّ تلك القوى آلات لتلك الذّات لا بالعكس. وإلى