معجزة فمحقّ في نبوته ولا نبالي أكان ابتداء علمنا استدلالا أم مدركا بالحواس إذ كانت نتيجة كل ذلك سواء في نفي صحة الشيء المعتقد وبالله تعالى التوفيق.
ثم نسألهم عن الذين يجحدون بعض آيات ربنا يوم لا ينفع نفسا إيمانها :
أكان الله تعالى قادرا على أن ينفعهم بذلك الإيمان ويجزيهم عليه جزاءه لسائر المؤمنين أم هو تعالى غير قادر على ذلك؟ فإن قالوا بل قادر على ذلك رجعوا إلى الحق والتسليم لله عزوجل وأنه تعالى منع من شاء وأعطى من شاء وأنه تعالى أبطل إيمان بعض من آمن عند رؤية آية من آياته ولم يبطل إيمان من آمن عند رؤية آية أخرى وكلها سواء في باب الإعجاز وهذا هو المحاباة المحضة والجور البين عند المعتزلة فإن عجّزوا ربهم تعالى عن ذلك أحالوا وكفروا وجعلوه تعالى مضطرا مطبوعا محكوما عليه ، تعالى الله عن ذلك.
قال أبو محمد : وقد قال عزوجل : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) [سورة يونس : ٩٨].
فهؤلاء قوم يونس لما رأوا العذاب آمنوا فقبل الله عزوجل منهم إيمانهم وآمن فرعون وسائر الأمم المعذبة إذ رأوا العذاب فلم يقبل الله عزوجل منهم ففعل الله تعالى ما شاء لا معقب لحكمه فظهر فساد قولهم في أن الإيمان الاضطراري لا يستحق عليه جزاء جملة وصح أن الله تعالى يقبل إيمان من شاء ولا يقبل إيمان من شاء ولا مزيد. ثم يقال لهم وبالله تعالى التوفيق : هبكم لو صح لكم هذا الباطل الغث الذي هذيتم به من أن معنى قوله تعالى : (لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [سورة الأنعام : ٣٥] إنما هو لاضطرّهم إلى الإيمان فأخبرونا لو كان ذلك فأيّ ضرر كان يكون في ذلك على الناس والجن بل كان يكون في ذلك الخير كله وما ذا ضر الأطفال إذا لم يكن لهم إيمان اختياري كما تزعمون وقد حصلوا على أفضل المواهب من السلامة من النار بالجملة ومن هول المطلع وصعوبة الحساب وفظاعة تلك المواقف كلها ودخل الجنة جميعهم بسلام آمنين منعمين لم يروا فزعا رآه غيرهم وأيضا فإن دعواهم هذه التي كذبوا فيها على الله عزوجل إذ وصفوا عن مراد الله تعالى ما لم يقله تعالى فقد خالفوا فيها القرآن واللغة لأن اسم الهدى والإيمان لا يقعان البتة على معنى غير المعنى المعهود في القرآن واللغة وهما طاعات الله عزوجل والعمل بها والتصديق بجميعها الموجب كل ذلك ـ بنص القرآن ـ رضي الله عزوجل وجنته ، ولا يسمى الجماد والحيوان غير الناطق ولا المجنون ولا الطفل مؤمنا ولا مهتديا إلا على معنى جري أحكام الإيمان على المجنون