ضَلُّوا) (١)؟ [وقوله : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢)]؟ ـ (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (٣)؟ ـ (عَفَا اللهُ عَنْكَ. لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (٤)؟ ـ (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) (٥)؟ وهذا باب فيه إطناب. والقدر الذي ذكرناه : كافي.
الثاني : إنه تعالى قال : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ : حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٦) وقال : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ. لَقالُوا : رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً. فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (٧) بين تعالى أنه ما أبقى لهم عذرا ، إلا وقد أزاله عنهم. ولو كان علمه بكفرهم ، وخبره عن كفرهم : بيانا لهم عن الإيمان ، لكان ذلك من أعظم الأعذار ، وأقوى الوجوه الدافعة للعقاب عنهم. ولما لم يكن كذلك ، علمنا : أن العلم بعدم الإيمان ، لا يمنع من الإيمان.
الثالث : إنه تعالى حكى عن الكفار في «حم» السجدة أنهم قالوا : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ. وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) (٨) وإنما ذكر تعالى هذه الحكاية عنهم ، ذما لهم على هذا القول. ولو كان العلم بعدم الإيمان ، مانعا من الإيمان. لكانوا صادقين في هذا القول. فلم ذمهم عليه؟
الرابع : إنه تعالى إنما أنزل قوله : (إِنَ) (٩) الَّذِينَ كَفَرُوا. سَواءٌ عَلَيْهِمْ إلى قوله : (لا يُؤْمِنُونَ) : ذما لهم ، وزجرا لهم ، عن الكفر ، وتقبيحا لفعلهم. فلو كانوا ممنوعين عن الإيمان ، غير قادرين عليه : ما استحقوا الذم البتة. بل كانوا معذورين فيه. كما يكون الأعمى معذورا في أن لا يرى ، والزّمن في أن لا يمشى.
الخامس : القرآن إنما أنزل ليكون حجة لله ولرسوله على الكفار ، لا أن يكون حجة للكفار على الله وعلى رسوله. ولو كان العلم والخبر مانعين عن
__________________
(١) سورة طه ، آية : ٩٢.
(٢) سورة الانشقاق ، آية : ٢٠ والآية من (م).
(٣) سورة المدثر ، آية : ٢٩.
(٤) سورة التوبة ، آية : ٤٣.
(٥) سورة التحريم ، آية : ١.
(٦) سورة النساء ، آية : ١٦٥.
(٧) سورة طه ، آية : ٢.
(٨) سورة فصلت ، آية : ٥.
(٩) سورة البقرة ، آية : ٦.