العاشر : الآيات الدالة على أن تكليف ما لا يطاق لم توجد. قال الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (١) ـ (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) ـ (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ، وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) (٣) ـ (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٤) ولو كان العلم بالعدم ، مانعا من ذلك الفعل ، لكانت التكاليف بأسرها : تكليفا [بما لا يطاق (٥)] فثبت بمجموع هذه الوجوه العقلية : أن العلم بالعدم ، لا يمنع من الفعل.
وأما الوجوه السمعية فستة :
الأول : إن القرآن مملوء من الآيات [الدالة (٦)] على أنه لا مانع لأحد من الإيمان. قال تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) (٧)؟ وهو إنكار بلفظ الاستفهام ومعلوم أنه لو كان علم الله بعدم الإيمان ، وإخباره عن عدم الإيمان : مانعا. لصار قوله : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) : كذبا. وكذلك قوله : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا) (٨)؟ وقوله لإبليس : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) (٩)؟ وقول موسى عليهالسلام لأخيه : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ
__________________
(١) سورة البقرة ، آية : ٢٨٦ وفي مجمع البيان : «أي لا يأمر ولا ينهي أحدا إلا ما هو له مستطيع». وقيل : إن معنى قوله (إِلَّا وُسْعَها) ألا يسرها دون عسرها ، ولم يكلفها طاقتها. ولو كلفها طاقتها لبلغ المجهود منها. عن سفيان بن عينية. وهذا قول حسن. وفي هذا دلالة على بطلان قول المجبرة في تجويز تكليف العبد ما لا يطيقه. لأن الوسع هو ما تتسع له قدرة الانسان ، وهو المجهود واستفراغ القدرة. وقال بعضهم : إن معناه : إلا ما يسعها ويحل لها. وهذا خطأ لأن نفس أمره إطلاق. فكأنه قال : لا أطلق لك ولا آمرك إلا بما أمرك.
(٢) سورة الحج ، آية : ٧٨.
(٣) سورة الأعراف ، آية : ١٥٧.
(٤) سورة البقرة ، آية : ١٨٥.
(٥) زيادة.
(٦) من (م ، ل).
(٧) سورة الإسراء ، آية : ٩٤.
(٨) سورة النساء ، آية : ٣٩.
(٩) سورة ص ، آية : ٧٥.