الخامس : إن الإيمان في نفسه من قبيل الممكنات ، نظرا إلى ذاته وعينه. فوجب أن يعلمه الله من الممكنات الجائزات. إذ لو لم يكن كذلك ، لكان ذلك العلم جهلا ، وهو محال. وإذا [كان (١)] علم الله من الممكنات الجائزات ، التي لا يمتنع وجوده ولا عدمه ـ ولو صار بسبب العلم واجبا ـ لزم أن يجتمع على الشيء الواحد : كونه من الممكنات ، وكونه ليس من الممكنات. وهو محال.
السادس : إن الأمر بالمحال : عبث وسفه ، فلو جاز ورود الشرع به في بعض الصور ، لجاز وروده به في بقية الصور. فوجب أن لا يمتنع من الباري تعالى : أن يظهر المعجزات على أيدي الكاذبين ، وأن لا تمتنع أقوال الكتب المشتملة على الكذب والأضاليل. وعلى هذا التقدير لا يبقى وثوق بصحة نبوة الأنبياء عليهمالسلام ، ولا بصحة القرآن. بل يجوز أن يكون كله كذبا. ولما بطل ذلك ، علمنا : أن العلم بعدم الإيمان ، والخبر عن عدم الإيمان ، لا يقتضي انقلاب الإيمان محالا.
السابع : لو جاز ورود الأمر بالمحال في هذه الصورة ، لجاز ورود أمر الأعمى بنقط المصحف ، وورود أمر الزّمن بالطيران في الهواء ، وأن يقال لمن قيد يداه ورجلاه ، وألقى من شاهق جبل : لم لم يطر إلى الفوق؟ ولما لم يجز شيء من ذلك في العقول ، علمنا : أنه لا يجوز ورود الأمر بالمحال. ثم إنا أجمعنا على أن الله تعالى أمر من علم منه أنه لا يؤمن. فدل ذلك على أن العلم بالعدم ، لا يدل على الامتناع.
الثامن : لو جاز ورود الأمر بالمحال ، لجاز بعثة الأنبياء الى الجمادات ، وإنزال الكتب عليها ، وإنزال الملائكة عليها ، لتبليغ التكاليف إليها ، حالا بعد حال. ومعلوم أن ذلك سخرية ، وتلاعب بالدين.
التاسع : إن العلم بوجود الشيء ، لو اقتضى وجوبه ، لأغنى هذا العلم عن الإرادة والقدرة ، فوجب أن لا تدل حدوث الأفعال على كونه تعالى قادرا مريدا. وذلك قول الفلاسفة القائلين بالموجب.
__________________
(١) من (م ، ل).