الاستدلال به : أنه تعالى بين أن الخلق مخلوقون للعبادة كما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) فلا جرم قال : اعملوا بالطاعة. فإن جميع الخلق قد يسر الله لهم الاشتغال بالعبادة التي لأجلها [خلقوا (٢)] وإنما يكون هذا التيسير حاصلا إذا قلنا : العبيد قادرون (٣) على الفعل ، وأنه تعالى لا يخلق فيهم الكفر جبرا ، ولا يمنعهم عن الإيمان ، ولا يضلهم عن سواء السبيل. فثبت : أن قوله عليهالسلام : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» : نص صريح في هذه المسألة.
الحجة السادسة : الدعاء المشهور المأثور عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو دعاء الاستفتاح وهو قوله : «اللهم أنت الملك ، لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك [ظلمت نفسي (٤)] واعترفت بذنبي [فاغفر لي (٥)] فإنه لا يغفر الذنوب [إلا أنت (٦)] واهدني لأحسن الأخلاق ، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، فإنه لا يصرف سيئها إلا أنت. لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك. والشر ليس إليك ، إنا بك وإليك ، تباركت وتعاليت ، استغفرك وأتوب إليك» وجه الاستدلال به : إن قوله : «والشر ليس إليك» صريح في المسألة.
ولا يقال : إن قوله : «الخير في يديك» : يقتضي كون الإيمان من الله تعالى ، لأنه أعظم الخيرات. لأنا نقول : لما وقع التعارض وجب التوفيق ، فيحمل قول «الخير في يديك» على أن الإيمان حصل بإقدار الله تعالى ، ونصب الدلائل عليه. ويحمل قوله : «الشر ليس إليك» على أنه ليس بخلقه وتكوينه. وبهذا الطريق يزول التعارض.
__________________
(١) سورة الذاريات ، آية : ٥٦.
(٢) من (م ، ل).
(٣) العبد قادر (م).
(٤) من (م ، ل).
(٥) زيادة.
(٦) من (ط ، ل).