الأول كان إثبات كون العبد موجدا بالدلائل السمعية ، إثباتا للأصل بالفرع وإنه يوجب الدور. وإن كان الثاني ، فحينئذ لا يلزم من القدح في كون العبد موجدا ، تعذر الاستدلال بالآيات والأحاديث. فإن قالوا : مقصودنا من ذكر الآيات والأحاديث في بيان كون العبد موجدا : ليس هو إثبات ذلك في نفس الأمر ، بل مقصودنا : إلزام الخصم. وذلك لأن المجبرة لما كانوا معترفين بأن القرآن حجة. فإذا ثبت أن القرآن يدل على كون العبد موجدا لأفعال نفسه ، فقد حصل الإلزام. فنقول : فاقبلوا منّا مثله. فإن المعتزلة لما سلّموا أن القرآن حجة ، ثم دل القرآن على أن موجد أفعال العباد هو الله تعالى. فحينئذ يحصل الإلزام والإفحام. فثبت : أن ما ألزموه علينا ، لازم عليهم.
وبالله التوفيق
البحث الثالث
في
أن القرآن هل يصير مطعونا فيه بسبب ما فيه من الآيات
الدالة تارة على الجبر ، وأخرى على القدر؟
قالوا : إن الجبرية تمسكوا بآيات كثيرة ، قوية الدلالة على الجبر. والقدرية أيضا تمسكوا بآيات كثيرة ، قوية الدلالة على القدر. فترى كل واحد من هذين الخصمين ، إذا حاول الجواب عن دلائل خصمه ، فإنه يحتاج إلى تأويلات مستكرهة ، ووجوه متعسفة. ولا يليق بالحكيم أن يتكلم بكلام ، ويريد به تلك المعاني. فعلمنا منهم أن القرآن مشتمل على التناقض. ثم الذاكرون لهذا السؤال فريقان. منهم من ينكر نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيستدل بهذه الشبهة على قوله ، ومنهم من يقر بنبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام.
وحينئذ يستدل بهذه الآيات المتعارضة على أن القرآن قد دخله التغيير والتحريف ، وأنه ما بقي كما أنزله الله. فإن من المحال أن يقول الحكيم كتابا يشتمل على هذا الحد من التناقض.