فالقول بأن الفعل والترك بالنسبة إليه على السواء يمنع من كونه فاعلا له ، فإن قالوا : إن ذلك الفعل ، وإن كان وجوده وعدمه يتساويان بالنسبة إليه ، إلا أنه أنفع للعباد ، فلأجل أنه أنفع بالنسبة إلى العباد ، يدخله الله في الوجود. فنقول : كونه أنفع للعباد مع كونه ليس أنفع لهم ، إما أن يكون بالنسبة إلى الله على التساوي ، أو يكون أحد الجانبين أرجح. فإن كان على التساوي امتنع الفعل ، وإن كان أحد الطرفين أرجح ، عاد حديث كونه ناقصا لذاته ، مستكملا بغيره.
الحجة التاسعة : إنه تعالى لو فعل فعلا لغرض ، لكان ذلك الغرض ، إن كان قديما لزم من قدمه قدم الفعل ، وإن كان حادثا كان إحداثه لغرض آخر ، ولزم التسلسل وأنه محال.
الحجة العاشرة : أفعال العباد إما اضطرارية ، وإما اتفاقية. وعلى التقديرين فالقول بالحسن والقبح العقليين باطل. بيان المقام الأول : أن القدرة الصالحة للحركة إن كانت صالحة للسكون فعند حصول القدرة على الحركة ، كانت الحركة اضطرارية ، وإن كانت صالحة للضدين ، فرجحان أحد الطرفين على الآخر إما أن يتوقف على مرجح أو لا يتوقف على مرجح (فإن توقف على مرجح) (١) فعند حصول ذلك المرجح يجب حصول ذلك الطرف الأول ، لأن عند حصول ما يرجح ذلك الطرف لم يكن مرجح الطرف الثاني موجودا ، وإذا لم يوجد مرجحه امتنع حصول الطرف الثاني. وإلا يحصل من غير مرجح. ونحن في هذا القسم نعتقد أن حصول الرجحان بدون المرجح محال.
وإذا امتنع حصول الطرف الثاني ، وجب حصول الطرف الأول ، ضرورة أن الخروج عن طرفي النقيض محال ، فيثبت أن على هذا التقدير يكون الفعل أيضا اضطراريا.
ثم إنا نعتقد التقسيم في كيفية حصول ذلك المرجح ، وهو أن مؤثره إما
__________________
(١) من (س).